سي ان ان — أقدم المغرب على خطوة جديدة في مسار ما يسمى بمخطط إعادة هيكلة الحقل الديني، بإصدار نص تشريعي تضمن منعا صريحا للقيمين الدينيين، من أئمة ووعاظ وخطباء، من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، أو اتخاذ أي موقف يكتسي صبغة سياسية أو نقابية.
وتكتسي هذه الخطوة التي صدرت في صيغة ظهير ملكي، أي “نص قانوني سامي يصدر عن الملك”، في بلاد تحتل فيها مؤسسة “إمارة المؤمنين” المخولة لعاهل المملكة، الصدارة في النظام السياسي، أهمية بالغة في ظل حساسية توزيع السلطة الدينية وظهور تيارات مذهبية وفقهية خارج مدار المذهب المالكي الوسطي الذي تتبناه الدولة المغربية.
ويرى المراقبون أن من شأن هذا النص أن يعزز هيمنة الدولة على المساجد ومؤسسات التعليم والوعظ الديني، في سياق سياسة إعادة هيكلة الحقل الديني التي باشرها المغرب منذ ظهور التهديد الإرهابي ذي المرجعية الدينية المتشددة، والتي تروم منع بروز أي فاعل يهدد تمركز السلطة الروحية في المؤسسة الملكية.
وفضلا عن منع أي ممارسة سياسية أو نقابية، نصت المادة السابعة من الظهير على امتناع القيمين الدينيين عن “الاخلال بشروط الطمأنينة والسكينة والتسامح والإخاء، الواجب توافرها في الأماكن المخصصة لاقامة شعائر الدين الإسلامي”. كما يتعين عليهم وفق النص “الالتزام بأصول المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وثوابت الأمة”.
وأطر المشرع هذا الظهير في مواصلة العمل على تجديد الخطاب الديني وتطوير طرق التبليغ ولتقديم الإسلام على صورته الحقيقية…. “بعيدا عن الحساسيات الفئوية والمشاحنات التي تمس بقدسية وحياد بيوت الله”.
وأمام الجدل الذي أثاره صدور الظهير الملكي، أوضح وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، أحمد التوفيق، في ندوة صحافية بالعاصمة الرباط، أن الظهير مجرد تكريس لأمر واقع يتمثل في صرف المساجد عن دائرة المواقف السياسية مضيفا أنه لا يخشى على الدين من السياسة، وإنما يخشى على السياسة من الدين، “حتى لا تفسد”.
وأضاف الوزير أنه “من غير المناسب” أن يكون الإمام داخل المسجد ممثلا لهذا التيار أو ذاك، وهو المكان الذي تقصده كل الأطياف معتبرا أن المجالين الديني والسياسي ليسا على تناقض، شرط أن يلتزم كل مجال بموقعه، وألا تتسرب الاجتهادات السياسية إلى القيمين الدينيين.
وتعليقا على سياق هذا الإطار التشريعي الجديد، قال الباحث في الشؤون الاسلامية، منتصر حمادة، إن قرار منع الأئمة والخطباء من “ممارسة أي نشاط سياسي” أو “اتخاذ أي موقف سياسي أو نقابي” يندرج في سياق مشروع “إعادة هيكلة الحقل الديني”، الذي باشره العاهل المغربي محمد السادس، ابتداء من نهاية 2002، في سياق التفاعل مع صدمة اعتداءات نيويورك وواشنطن، “وهو المشروع الذي تطلب وضع ترسانة قانونية ضخمة لا زلنا نعاين بعض معالمها بين الفينة والأخرى” .
وتحدث حمادة ، عن سياقات خاصة للمشروع ككل، إقليمية ومحلية، أجملها في اعتداءات الدار البيضاء الإرهابية في 16 مايو/ أيار 2003، وأحداث “الربيع العربي” التي اندلعت منذ مطلع العام 2011، فضلا عن التطورات الدينية والأمنية المؤرقة التي يعرفها المشرق العربي، خاصة مع تطورات الساحة السورية والعراقية، حيث اتضح أن “العديد من خطباء الجمعة انخرطوا في إبداء مواقف سياسية من هذه الأحداث، وهي مواقف توازي أو تعارض المواقف الرسمية للدولة المغربية من أوضاع الساحة العربية”.
كما ربط الباحث المغربي بين صدور الظهير وقرب الاستحقاقات الانتخابية، البلدية لعام 2015، والتشريعية لعام 2016، وهي استحقاقات كانت تتميز بانخراط بعض الأئمة في نصرة هذا الحزب السياسي أو ذلك، و”بحكم وجود حزب سياسي ينهل من مرجعية إسلامية، فإن هذا الظهير/ القرار يهم العديد من أعضاء الحزب الذين يشتغلون في الخطابة والوعظ والإرشاد، وبالتالي، يصب القرار في تحييد موقف هؤلاء الأعضاء من العملية الانتخابية”.
يذكر أن الدستور المغربي يخول الملك الانفراد بالسلطة الدينية في المملكة، فهو، حسب الفصل 41 من الدستور، “أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”. وبصفته هاته، “يرأس الملك، المجلس العلمي الأعلى، الذي يتولى دراسة القضايا التي يعرضها عليه. ويعتبر المجلس الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تعتمد رسميا، في شأن المسائل المحالة إليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة”. وحسب الفصل، “يمارس الملك الصلاحيات الدينية المتعلقة بإمارة المؤمنين، والمخولة له حصريا، بمقتضى هذا الفصل، بواسطة ظهائر”.
وتجدر الاشارة الى أن عدد مساجد المملكة يبغ 50 ألف مسجد، حسب إحصائيات الوزارة الوصية، ويبلغ عدد القيمين الدينيين حوالي 110 ألف شخص منهم حوالي 80 ألف ينهضون بمهام الإمامة والخطابة والأذان.