أحدث اكتشاف كميات كبيرة من الأسلحة، بمحافظة مدنين بالجنوب التونسي، على الحدود مع ليبيا والجزائر، حالة من “الصدمة” لدى كافة فئات المجتمع التونسي. الذين لم يتعودوا على رؤية السلاح، خارج سيطرة مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية.
وأكد الباحث في علم الاجتماع، محمد الحاج سالم ل “العربية.نت”، أن المخيال الجماعي للتونسيين، تربي وترسخ لديه “أن الدولة هي الوحيدة المخول لها احتكار السلاح”. ويفسر ذلك “بتخوفهم على مدنية الدولة، وعلى عقد التعايش الذي يجمعهم“.
ومن جهته، وفي حوار مع “العربية.نت”، قال الخبير في الشؤون الأمنية، هيكل محفوظ “أثارت مسألة اكتشاف كميات هامة مخزنة من السلاح، عدة تساؤلات مشروعة، لابد من تقديم أحوبة لها، وخاصة من قبل الحكومة، بوصفها المسؤولة نظريا وعمليا عن أمن البلاد والعباد”.
ويري محفوظ، أنه “من حق التونسيين الحصول على أجوبة شافية حول ظاهرة انتشار السلاح. وما هي الجهات التي تقف وراءه؟ وما علاقة الأسلحة المخزنة بفرضية وجود خلايا نائمة لتنظيمات إرهابية؟ وهل توجد علاقة لهذه الظاهرة بالتيارات السلفية المتشددة؟ وما مدى تأثير تكديس السلاح على الانتقال الديمقراطي؟ وهل يمكن أن تلجأ بعض الجماعات والتنظيمات إلى توظيف امتلاكها للسلاح في الصراع السياسي؟”.
مأزق فوضى السلاح
ويعتبر عالم الاجتماع، محمد الحاج سالم، “أن هناك تنامي لمظاهر الخوف من انتشار السلاح، منذ فترة وخاصة بعد انهيار نظام القذافي، وتفتت ترسانته العسكرية”. لكنه يعتبر، “أن حادثة مدنين، مثلت منعرجا لمقدمات نتائج تخيف كل التونسيين، وذلك في ضوء ما تم العثور عليه، من أسلحة قالت الجهات الأمنية، أنها متطورة وتشتمل على صواريخ مضادة للطائرات و قذائف “أر بي جي” و راجمات صورايخ و متفجرات و واقي من الرصاص”.
وبحسب تأكيدات مصادر أمنية، فإنه لم يسبق للجهات الأمنية التعامل مع مثل هذه الأسلحة من جهة النوعية وأيضا الكميات. ما يجعل أكثرية الشكوك تحوم “حول فرضية وجود تنظيمات دينية متطرفة”، وراء ما تم الكشف عنه، مثلما صرح بذلك الخبير في الجماعات السلفية أعلية العلانى ل “العربية.نت”. الذي أوضح أن هذه الجماعات “استغلت الهشاشة الأمنية التي تمر بها البلاد لتحزين السلاح في مرحلة أولى، والتخطيط ربما لاستعماله لاحقا سواء في تونس، أو في دول ومناطق أخري”، وهو ما ذهب اليه الخبير الأمني هيكل محفوظ أيضا، الذي لم ينف أيضا فرضية أن تكون مجموعات تتاجر في الممنوعات وفي التهريب، وراء تخزين مثل هذه الأسلحة. بما يقوي فرضية التسريبات الإعلامية و الاستخباراتية، التي تقول “بأن تونس قد تتحول إلى منطقة عبور للسلاح”.
ويري محفوظ أن الترجيح الغالب، هو أن تكون الأسلحة المخزنة، لفائدة منظمات دينية متطرفة، وقال بأن هناك تقارير، تناقلتها مؤخرا وكالات الأنباء، أشارت الى أن «الإسلاميين المتطرفين ينتقلون عبر المنطقة الحدودية التي تربط بين كل من تونس والجزائر وليبيا”.
وسبق أن صرح الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي بأن سقوط نظام القذافي، ساهم في انتشار السلاح في المنطقة الحدودية، كما تحصلت جماعات متطرفة على كميات كبيرة من سلاح القذافي.
السلاح والخطر السلفي
ويشدد الباحث الاجتماعي، محمد الحاج سالم، على أن “اكتشافات” مدنين، أعادت الى أذهان التونسيين مشاهد حوادث العنف واستعمال السلاح، التي جرت بعد الثورة وتورطت فيها جماعات سلفية متشددة. لعل آخرها ما حصل في محافظة القصرين (وسط غرب تونس)، وتحصن متشددين بجبل الشعانبى وبالمرتفعات.
ويذكر أن مجموعات سلفية قد سبق لها وأن مارست «العنف المسلح» بعد الثورة، منها«حادثة بئر علي بن خليفة» في بداية تولي الحكومة الحالية، والتي اضطرت الى مجابهتهم بقوة السلاح، وقد أعادت تلك «الواقعة» حينها للأذهان وقائع مشابهة منها واقعة الروحية في ماي 2011 – قتل فيها ثلاثة عسكريين-، وكذلك أحداث سليمان سنة 2008، والتي عرفت مواجهات عنيفة بين الأمن والمتطرفين استمرت أكثر من أسبوع. وهي مناسبات أستعمل فيها السلاح من قبل مجموعات سلفية، على صلة فكرية وتنظيمية، بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
وأشار الحاج سالم، إلى كون مثل هذه السوابق في استعمال السلاح من قبل المتشددين دينيا، تثير مخاوف من الانزلاق نحو إدخال هذا السلاح، في الصراع السياسي الدائر في تونس. لفرض تيار سياسي أو إيديولوجي بقوة العنف، ما يفترض تحرك عاجل لمحاصرة هذه الظاهرة، والتنظيمات التي تتبنى خيار العنف لفرض أمر واقع أو نمط مجتمعي على التونسيين.
واضاف، لا يمكن تصور وجود حراك سياسي، أو انتقال ديمقراطي في ظل وجود جماعات تحوز السلاح، وليس لها أية ضوابط أو حدود في استعماله، لفرض خياراتها أو الخيارات التي تري أنها قريبة منها.
وفي تصريح لـ “العربية.نت”، أكد محمد القوماني الناطق الرسمي لحزب “التحالف الديمقراطي، أن وبعد اكتشاف كمية الأسلحة المخيفة بالجنوب التونسي والتي تأتي بعد تواتر أخبار عن حجز أسلحة بمناطق مختلفة من البلاد ومواجهات متفرقة مع الجيش والأمن، تزداد المؤشرات على أن خطر الإرهاب تهديد وطني جدي، بقطع النظر عن الجهات التي تقف وراءه.
وقال القومانى، “إن ما يعزز المخاوف هو تواصل حالة الاستقطاب والتجاذبات الحادة في المشهد السياسي الآخذة في الاستفحال، رغم خطابات نقد هذه الحالة والتنبيه إلى مخاطرها، حتى ممن يغذونها. ولكن الخطر الأكبر هو تعثر كل محاولات بناء قوة وسطية”.
ويري محللون، بأن التساهل مع الممارسات التي أتتها بعض الجماعات السلفية، هو الذي جعلها لا تلغى فكرة تجميع السلاح في مرحلة أولى، تحسبا لكل طارئ في مرحلة لاحقة. ما قامت به الجماعات السلفية من عنف، أصبح يهدد المكاسب التي يفتخر بها كل التونسيين، على تباين منطلقاتهم الفكرية والعقائدية. والمتمثلة بالخصوص في الحفاظ على سلمية ومدنية الصراع السياسي. ويبرز خطورة الانحراف الى العنف لحسم الصراع والتنافس بين الفرقاء.
تخوفات وتحذيرات خارجية
ومثلما يخيف انتشار السلاح التونسيين، فإنه ساهم أيضا في توجيه رسائل سيئة وغير مطمئنة للخارج، وخاصة شركاءنا الاقتصاديين والدول المصدرة للسياح الى بلادنا.
إذ سبق وأن دعت الولايات المتحدة الأمريكية مواطنيها المقيمين في تونس، على ضرورة ” ملازمة الحيطة و الحذر”. وأكدت على “ضرورة اجتناب المشاركة في التّجمعات حتى وإن كانت سلمية أو احتفاليه”.
ويأتي هذا التحذير حسب ما أوردته السفارة الأمربكية على خلفية الأحداث الأخيرة التى شهدتها مؤخرا، مناطق في تونس، والتي تورطت فيها جماعات تنتمى للتيار “السلفي الجهادى”، وفي علاقة بتنظيم “القاعدة”.
كما حذرت فرنسا نهاية الأسبوع، في بيان صدر عن سفارتها بتونس، ” الرعايا الفرنسيين، من خطورة الوضع”، ودعتهم إلى الحيطة واليقظة، وتجنب زيارة جنوب البلاد خاصة، وذلك عقب الإعلان عن إختطاف عدد من الأجانب في الجزائر على خلفية التدخل العسكري الفرنسي في شمال مالي.
تقارير استخباراتية مهمة
ونقلت، السبت، جريدة «الشروق» التونسية، عن من مصادر مطلعة “أن السلطات المختصة في تونس تحقق في صحة تقارير داخلية وخارجية تفيد بترجيح فرضية تورط أطراف سياسية تونسية في توفير «الغطاء» لتحركات الجماعات المسلحة بين المثلث الصحراوي الرابط بين تونس، الجزائر وليبيا”.
ونقلت «الشروق» عن مصادر مطلعة “أن السلطات الأمنية التونسية كثفت مؤخرا من تحقيقاتها حول حيثيات ما ورد عليها من تقارير أجهزة أمنية خارجية وكذلك تقارير داخلية نبهت سابقا من خطر حيازة أفراد وجماعات للأسلحة النارية بأنواعها المختلفة ، والتي قد تضطر الى القيام بعمليات «إرهابية» على الأراضي التونسية في صورة «تضييق» الخناق عليها في الدول التي تستعمل أراضي تونس، للعبور إليها”.