على الرغم من تكرار لفظ اسم شارع “العابد” في العاصمة السورية دمشق، إلا أن كثيرا من متداولي اسم ذلك الشارع، لا يعرفون أن شارع العابد هو اسم أول رئيس للجمهورية السورية، محمد علي العابد الذي ولد عام 1867 ميلادية في دمشق.
يعتبر محمد علي العابد أول رئيس للجمهورية السورية، وتولى رئاسة البلاد بين عامي 1932 و1936 بعد انتخابات شهدت منافسة مع مرشح آخر هو صبحي بركات. اسمه الكامل هو محمد علي بن أحمد عزت بن محيي الدين أبو الهول (أو هولو باشا) بن عمر بن عبد القادر العابد.
العابد مع الكتلة الوطنية عام 1927 ويظهر الاقتصادي المصري الشهير طلعت حرب
واللبس في اسم جده الشهير “هولو باشا” جعل بعض المؤرخين يظنون بأصوله الكردية، إلا أن عائلة العابد تنتمي لعشيرة “المشارفة” وقد أقام جدّ العائلة البعيد محمد بن الأمير قانص في دمشق منذ عام 1700 ميلادية.
وكان للعائلة نفوذ كبير نظرا لتجارتهم الواسعة بالحبوب والمواشي. وجدّهم الشهير “هولو باشا” أو “أبو الهول” فقد تقلد مناصب عديدة في الدولة العثمانية كقائم مقام ومتصرّف وعضو مجلس إدارة ولاية بلاد الشام وكذلك أصبح رئيساً للادارة السالفة عام 1890 ميلادية. وشيّد “هولو باشا” دور سكن شهيرة للأسرة أصبح بعضها مقراً موقتاً لحفيده محمد علي العابد يمارس فيه جزءا من عمله رئيسا لسوريا بدءا من عام 1932.
العابد عام 1932 ومتعاقبون على رئاسة الوزراء مثل تاج الدين الحسني وحسني البرازي
واستقال محمد علي العابد من منصبه عام 1936 بسبب التقدم في العمر كما قيل، إلا أن استقالته ارتبطت بأسباب تتعلق باضطرابات سياسية واجتماعية في ذلك الوقت.
كان الرئيس الأول لجمهورية سوريا ملماً باللغات التركية والفرنسية والانكليزية، إلى جانب لغته العربية، وحمل شهادة جامعية في الحقوق من فرنسا، وعين مستشارا قضائيا في الخارجية العثمانية ثم سفيرا للدولة العثمانية بواشنطن، وغادر ذلك المنصب بعد اضطرابات التي شهدتها الدولة العثمانية، وسافر الى عدة بلدان، منها مصر التي زارها برفقة والده الذي وافته المنية هناك، ثم عاد إلى سوريا، نهاية العشرينيات من القرن الماضي، وعيّن وزيرا في حكومتها لفترة وجيزة، ثم رشحته الكتلة الوطنية على قائمتها رئيسا للجمهورية، ففاز بانتخابات شهدت تجاذبا مابين أكثر من تكتل، واستطاع أن يحصد الأصوات اللازمة للفوز على منافسه صبحي بركات، ويكون بذلك أول رئيس لجمهورية سوريا، نظرا إلى أن الذين حكموا سوريا قبله لم يكونوا رؤساء للجمهورية بل اعتُبروا قادة ورؤساء للدولة أو ملوكاً، بسبب ممارستهم الحكم دون أن يكون النظام الجمهوري قد تم تبنيه دستوريا بعد. لذلك فإن محمد علي العابد هو أول رئيس للجمهورية السورية.
أول رئيس للجمهورية مع شخصيات سياسية وعسكرية عام 1934
وصف العابد بأنه واحد من أغنى رجال سوريا، في ذلك الوقت، وبعض المصادر اعتبرته أغنى رجالها قاطبة. وبعد تقديم استقالته عام 1936 ذهب الى فرنسا وأقام هناك إلى أن أعلن عن فاته فيها عام 1939، ووري الثرى بدمشق، بعد ذلك.
أمّا أول سيدة أولى للجمهورية السورية، فكانت قرينة الرئيس محمد علي العابد، وهي السيدة زهراء اليوسف، التي أنجبت له عدة أبناء. إلا أن الأخبار المتناقلة عنها قليلة نسبيا قياسا بتفاصيل زوجها الرئيس الذي أفردت له كتب التاريخ جانباً كبيراً يكشف عن أصوله العائلية العريقة والأسماء البارزة في تلك العائلة والتي منها النهضوية الشهيرة نازك العابد (1887-1959)، والتي تعتبر أول سيدة تحمل منصبا عسكرياً بدرجة ضابط في جيش سوريا.
أول سيدة أولى للجمهورية السورية زهراء اليوسف حرم محمد علي العابد
وتجمع كل المصادر التي تناولت سيرته على أنه كان نموذجاً للتواضع وخبيرا في السياسة والاقتصاد ويتمتع بمزايا أخلاقية فريدة كما قال عنه النهضوي السوري الشهير محمد كرد علي: “هو أعظم رجل سياسي عرفته الديار الشامية” فضلا عن كثير من صفاته التي تطرق إليها عن أول رئيس للجمهورية السورية كالظُّرف والكياسة واللباقة، وأنه كان ينفق من ماله الخاص على مراسم تنقلاته وإقامته.
طابع بريدي بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية السورية
الأملاك العقارية التي اشتهر بها آل العابد، في دمشق، تعرضت لإهمال تاريخي متواصل من جميع الحكومات التي تعاقبت على البلاد، خصوصا في مرحلة المد القومي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فنهِبت القصور ودمرت أجزاء كبيرة منها، وأصبح بعضها مكانا للبيع والشراء والتخزين، علماً أن واحدا من تلك العقارات، كان المكان الذي مارس فيه أول رئيس للجمهورية السورية، جزءا من نشاطه السياسي ومهامه الدستورية.