يقود نصري شمص سيارته رباعية الدفع في ارضه الزراعية واضعا مسدسه على جنبه ورشاش بندقيته في الجزء الخلفي من سيارته، قائلا انه على استعداد لمواجهة القوى الأمنية في حال إقدامها على إتلاف محاصيله الزراعية المربحة من الحشيش.
لكنه قد لا يحتاج إلى المواجهة هذا العام في ظل الحرب الأهلية المستعرة في سورية الواقعة على بعد 50 كيلومترا والتي غيرت من أولويات القوى الامنية اللبنانية.
وقال شمص وسط حقله الأخضر المزروع بنبتة القنب التي يستخرج منها الحشيش «يريدون المواجهة لا يوجد مشكلة والموسم قريب»، في السنوات الأخيرة أرسلت القوى الأمنية الجرارات والجرافات والعربات المدرعة لحرث الأرض وإتلاف محاصيل القنب ما أدى إلى اشتباكات مع المزارعين المسلحين ببنادق هجومية وقذائف صاروخية.
ومنذ عام 2012 توقفت الحملة على زراعة الحشيش، وقبل عامين أغلق المزارعون الطرق عندما بدأت القوى الأمنية حرق الحشيش.
لكن الحكومة ما لبثت ان تراجعت ووعد وزير الداخلية آنذاك بالنظر في التعويض على المزارعين الذين تم القضاء على محاصيلهم كما وعد بالعثور على مصادر بديلة للدخل لكن المزارعين يقولون انهم لم يحصلوا على اي من هذه الوعود.
وفي العام الماضي ومع امتداد الحرب الأهلية في سورية إلى لبنان بفعل الانفجارات والاشتباكات المسلحة في المدن والصواريخ التي ضربت بلدات في البقاع توقفت الحملة ضد زراعة الحشيش التي كانت قد شنتها السلطات اللبنانية منذ نهاية الحرب الاهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
وخلال تلك الحرب كان وادي البقاع ينتج ما يصل الى الف طن من الحشيش سنويا قبل أن يتوقف لفترة وجيزة في إطار برنامج للامم المتحدة بين عامي 1991 و1993.
وقال رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي العقيد غسان شمس الدين «خلال مرحلة التسعينيات الى عام 2012 كانت عملية تلف زراعة الحشيش تتم سنويا»، وأضاف في مقابلة مع رويترز في بيروت: «لكن في عام 2012 ولظروف اقليمية وأمنية محيطة بلبنان، توقفت عملية التلف بسبب الأوضاع على حدود لبنان والوضع غير المستقر بسورية وهذا انعكس على لبنان».
زرع شمص مزروعات متنوعة في أرضه التي تبلغ مساحتها 135 فدانا منها الشعير والقمح والبصل والبطاطس.
ولكن القنب يدر عليه أرباحا أكثر بكثير من باقي المحاصيل. كما ان زراعة الحشيشة لا تحتاج الى الكثير من الري وهو ما سهل زراعتها هذا العام بسبب الجفاف غير المعتاد الذي ضرب البلاد في فصل الشتاء.
وتتراوح تكلفة زراعة دونم واحد (ربع فدان) ما بين 100 و150 دولارا وهذه التكلفة أقل من زراعة القمح أو الشعير.
وفي وقت الحصاد في أواخر الصيف يمكن للمزارعين الحصول على ما يصل إلى ثلاثة الاف دولار لكل دونم.
وقال شمص الذي زرع حشيشا أكثر بكثير مما زرعه في السنوات الاخيرة: «بالحشيش ما في خسارة».
واعتبر تقرير لمكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات ومكافحة الجريمة الصادر عام 2011 لبنان واحدا من أكبر خمس مصادر للحشيش في العالم.
وأشار العقيد شمس الدين إلى أن الأرقام الرسمية للمساحات المزروعة بالقنب ظلت ثابتة على مدى السنوات الثلاث الماضية وهي حوالي 35 الف دونم على الرغم من أنه قبل ذلك كانت النسبة تتقلب بشكل حاد خلال السنوات السابقة.
في عام 2005 وهو عام صاخب بالنسبة للأحداث في لبنان عندما أنهت القوات السورية وجودها العسكري في لبنان الذي استمر 29 عاما تمت زراعة 64 ألف دونم من الحشيش في حين تراجعت هذه النسبة إلى 11 ألفا بحلول عام 2010 أي قبل عام من الحرب في سورية وانزلاق لبنان نحو الاضطراب الداخلي.
وشهدت البلاد حملة لتشريع زراعة الحشيشة مرتكزين على إقدام ولايتين أميركيتين على تشريع استخدامها، وتعالت أصوات سياسية بارزة تطالب بتشريع زراعتها وحتى استخدامها.
والشهر الماضي أعلن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط تأييده تشريع زراعة الحشيشة في لبنان في المناطق الفقيرة في وادي البقاع، وقال: «لا خوف من تشريع الحشيشة وتنظيمها لأسباب طبية وهي لا تشكل خطرا على الصحة ما لم تصبح إدمانا».
وقال الخبير الاقتصادي مروان اسكندر «ان لبنان يحتاج الى هذه الزراعة ويحتاج الى انعاش مناطق البقاع وعكار» وهما يستضيفان العدد الاكبر من النازحين السوريين البالغ عددهم اكثر من مليون شخص.
وأضاف: «حسب تقديري اذا كان مسموحا بزراعة الحشيشة وتصريفها في الخارج سواء في الولايات المتحدة الأميركية او في بعض البلدان الاوروبية التي تسمح بها يصبح عندنا مليارا دولار في السنة للاقتصاد الوطني و400 مليون دولار للميزانية، بالفعل الان في هذه المرحلة من حياتنا تؤثر كثيرا».
وقال انه كان قد نقل فكرة تشريع الحشيشة الى كبار المسؤولين في الامم المتحدة والبنك الدولي في بيروت «لا اقول انهم وافقوا ولكن اقول انهم تقبلوا الفكرة ولم يقولوا في البداية ما هذا الكلام وما هذا التمادي في الانفتاح على مواد محظورة.ليست مادة محظورة الا في ذهننا».
ويقول شمس الدين: «توقفت عملية الإتلاف على أساس ان الظروف لا تسمح بسبب الاوضاع على حدود لبنان والوضع غير المستقر بسورية وهذا انعكس على لبنان».
وأضاف: «عدم حصول تلف الحشيشة يمكن ان يشكل تشجيعا للناس أن تزرع، ويشكل إغراء للمواطن بأنه بدلا أن يزرع بطاطس يزرع حشيشة، هناك قرى وهناك أناس لم يكونوا يزرعون الحشيشة، الان صار هناك زراعة حشيشة، اكيد زادت زراعة الحشيشة، نعم».
مصائب قوم عند قوم فوائد