بدأت أخبار بلدة معلولا السورية التي تقيم فيها غالبية مسيحية تأخذ حيزاً من الإعلام العربي والغربي، وأخذت تلك الأخبار صفة التناقض التام، “العربية نت” تقف على حقيقة ما حدث في معلولا بلد الكنائس التاريخية المقدسة وتروي القصة الكاملة.
بدأت القصة في يوم الأربعاء 4 سبتمبر/أيلول بإعلان بعض كتائب الجيش الحر، ومن بينها جبهة النصرة وحركة أحرار الشام الإسلامية (كتيبة ثوار بابا عمرو وكتيبة مغاوير بابا عمرو)، السيطرة الكاملة على بلدة معلولا الأثرية في ريف دمشق، وذلك عن طريق استهداف حواجز قوات النظام بهجوم انتحاري ضمن ما أسمته “سلسلة غزوات العين بالعين”، وتدمير حاجز (التينة) الذي يضم عسكريين وميليشيات تابعة للنظام عند مدخل البلدة، وأوقعت جميع عناصره بين قتيل وجريح، وما إن بث هذا الخبر حتى تعالت أصوات تندد بما أطلقوا عليه اسم “مجازر طائفية”.
وانتشرت صور تبين إحراق الكنائس وقصفها، بالإضافة لقيام إعلام النظام بتصوير ما حدث في معلولا بأن إسلاميي المعارضة قاموا بالتنكيل بأهل معلولا، ولكن ظهور الأم بيلاجيا رئيسة دير مار تقلا أكثر من مرة باتصالات هاتفية مع قنوات إعلامية وتأكيدها أن أحداً من الجيش الحر لم يقترب من الكنائس، وأنه لم يتم قتل أحد، وإنما هي “حالة من الخوف سيطرت على المدينة بسبب أصوات القذائف وانتشار الدخان، وهو ما أثار رعبهم في البداية”.
وبحسب المعارض والناشط فائق المير المتواجد على الأرض فإن ما حدث يومي 4 و5 سبتمبر/ أيلول هو عكس ما تداولته صفحات التواصل الاجتماعي وما تداوله إعلام النظام، حيث أكد أن قوات الأسد حشدت قواتها لهجوم على معلولا من كل المحاور والطرق المؤيدة لها، وقامت بقصف فندق سفير معولا ودير مار سركيس، وكان تلفزيون روسيا اليوم حاضراً فقام بتصوير قصف الفندق القريب من الدير الذي أشاع النظام أن الجيش الحر قام بإحراقه، وقام تلفزيون روسيا اليوم ببث التقرير عن طريق الخطأ دون أن يدرك أنه لم يصور أي حرائق أو خراب في معلولا، وإنما قام بتصوير قصف قوات النظام للفندق، ومن ثم أعلنت مواقع إخبارية سورية موالية للنظام عن اقتحام الجيش السوري النظامي للفندق وعن قتل كل من وجد فيه.
وبحسب المعارض فراس طلاس فإن النظام السوري ينفذ الآن خطة معدة مسبقاً لإيقاع الجيش الحر في الفخ، وتتلخص الخطة حسبما قال لـ”العربية نت” في إرسال عدد من شبيحته على أنهم “إسلاميون” لإثارة الذعر في معلولا المسيحية تحت شعار الإسلام وباسم كتائب من الجيش الحر، وطبعاً مع المحافظة على سياسة القتل والتنكيل التي يتبعها النظام مع السوريين، ولكنها ستتخذ في معلولا طابعاً معاكساً لما حدث في بقية المناطق، لأن التهمة ستوجه بشكل مباشر للجيش الحر، ما يجعل رسالته التضليلية تلك تصل للمجتمع الدولي الخائف من الكتائب الإسلامية”.
الحدث كاملاً
يظهر فيديو نشره ناشطون على شبكة الإنترنت قائداً ميدانياً ممن كانوا في عملية تحرير معلولا – بحسب تعبيرهم – وهو يوصي عناصر الجيش الحر بالحفاظ على الكنائس في معلولا، ويأكد أنهم لن يقتلوا أي مواطن.
ويروي المعارض والناشط المتواجد على الأرض فائق المير لـ”العربية نت” ماحدث في معلولا وذعر السكان في البداية وانسحاب الجيش الحر ومحاولة تأمين البلدة: “حدثت حالة من الخوف في البداية يوم 4 سبتمبر/ أيلول، ما أدى لحالة نزوح كبيرة من الأخوة المسيحيين عن البلدة بعد دخول الجيش الحر إليها، رغم نداءات وطلب الثوار الذين تربطهم علاقات طيبة مع أهلها منهم البقاء في مساكنهم، والتعهد بأنه لن يصيب أحد منهم مكروه. كما حاول الثوار التواصل مع السكان ومناشدتهم بعدم الانجرار وراء أساليب الطاغية في بث الفرقة والخوف والإشاعات”.
وفي يوم الخميس 5 سبتمبر/أيلول انسحب جميع مقاتلي الجيش الحر وجبهة النصرة من معلولا كما يؤكد المير، مؤكداً أنه لم يحدث في معلولا أي نوع من أنواع الإساءة من قبل الجيش الحر، وأن الانسحاب من البلدة والبقاء خارجها كان بهدف طمأنة الأهالي والحفاظ عليها، وهو ما سماه بحسب تعبيره: “خطوة طيبة ورائعة ونموذجا لما يمكن للثورة أن تشكله من احترام لإرادات الناس ومعتقداتهم وقناعاتهم”.
وبحسب بعض سكان معلولا فإن الطيران الحربي شنّ غارات على محيط الحاجز في معلولا وجبعدين، وقصف مناطق قريبة من البلدة، كما ردت قوات النظام باستهداف المدينة بقذائف الهاون والمدفعية الثقيلة ما أسفر عن تدمير عدد من البيوت وإصابة كنيسة مار الياس الغيور، وكنيسة مار جريس وسقوط قتلى وجرحى.
ومن ثم تم قصف فندق سفير معلولا كما ذكرنا سابقاً واقتحامه، ولا تزال عمليات الحشد مستمرة خارج معلولا، ويقول المير: “حالياً لا وجود لأيّ من كتائب الثوار في كامل مدينة معلولا منذ قرار الانسحاب منها بعد أربع وعشرين ساعة من دخولها الاضطراري، وأكرر وأؤكد أنه لم يتعرض الثوار بالأذية أو الإساءة لأيٍّ من أهل البلدة مسيحيين كانوا أم مسلمين”.
ويحذر المير وطلاس وبعض النشطاء على الأرض من مجازر قد تقع في معلولا تحت اسم الإسلاميين وبيد النظام، إذ إنه – وبحسب ناشطين – يستخدم النظام من أجل ذلك كافة صنوف الأسلحة لضرب مواقع الثوار في الجوار منها، كما يلقي ببعض القذائف على البلدة وعلى دور العبادة المسيحية فيها، ويحاول إيهام الأهالي عبر إعلامه بأنها تأتي من مناطق الثوار. والمعارك ما تزال على أشدها على أطراف البلدة البعيدة.
يُذكر أن معلولا مدينة صغيرة وقديمة في جبال القلمون القريبة من دمشق، ذات أكثرية مسيحية، وللمدينة قيمة تاريخية ودينية بالنسبة للسوريين وللعالم، إذ هي بين أقدم المدن وفيها بعض أقدم الآثار المسيحية في العالم، ومازال سكانها من المسيحيين والمسلمين يتكلمون السريانية القديمة، التي كان يتكلمها السيد المسيح.
وعاش المسيحيون والمسلمون في معلولا، وغيرها من المدن والقرى المجاورة التي تماثلها طوال قرون، من دون أن يطغى أحدهم على الآخر، وهم في عيشهم تعاونوا وتفاعلوا كبشر ومواطنين، وأعطوا المنطقة طابعاً حضارياً وثقافياً مميزاً، قلّ وجود مثيله في العالم.