في هذا البرد القارس لم يكن أمام سكان مدينة عندان في سوريا سوى خيار واحد هو قطع أشجار الزيتون، لاستعمالها في التدفئة.
أشجار عمرها عشرات السنوات قطعت بالكامل واستخدمت أغصانها كوقود للتدفئة وللطبخ.
والظاهر أنه بعد البشر أصبحت الأشجار أيضا ضحية النظام السوري، فلم يبق للسوريين سوى الطبيعة ليتكئوا عليها، وهم هنا قد ضحوا بمصدر رزقهم من الزيت والزيتون للتعويض عن المحروقات.
ومثل عندان، هناك الكثير من بلدات وقرى حلب، التي عاد فيها السوريون لأيام الحطب، وأم معتوق تسابق الوقت وهي تستغل يوما مشمسا لإعداد خبز التنور، وهي تأمل أن يكفيها وعائلتها لمدة أسبوع كامل.
وتقول أم معتوق لـ”العربية”، إنه في غياب الغاز، تطبخ بخلاف الخبز، ما يعرف محليا بـ”المجدرة”، و”الكبة”، وتقول بشأن المال “إنه قليل”.
وأم معتوق ليست وحيدة لحسن الحظ، فحفيدها عاصم استلم مهمة جمع الحطب للتنور، ويقول في هذ الإطار لـ”العربية”: “بسبب القصف أغلقت كل الأفران، ولم يبق هناك خبز، ولهذا اضطررنا لشراء الطحين وصناعة الخبز”، مضيفا أنه “يشعر بالحزن على إخوانه الذين يقتلون من أجل الحرية”.
عاصم بكى عندما نطق “حرية”
واللافت في الأمر أن الولد عاصم رغم صغر سنه، انفجر باكيا عندما نطق كلمة “حرية”، وأشاح بيديه الصغيرتين، على عينيه اللتين تبكيان في خجل.
وعندما سألناه ماذا يفعل عندما يسمع صوت الطائرة يجيب عاصم: “نهرب باتجاه الكروم حتى لا تقصف البيت فنموت فيه”.
وبينما كانت أم معتوق تعد الطعام، كانت الطائرات الحربية تجول في السماء، وهنا تقول أم معتوق إنها ليست المرة الأولى التي يحدث هذا، فقد وقع قبل مدة وأن كان الطيران السوري يقصف، لكنه لم يثنيها عن عجن الخبز، وتضيف “لم يعد يخيفنا هذا الشيء”.
ولأن الطبخ على الحطب يحتاج وقتا، فتنهمك أم معتوق طويلا لتحضير الوجبة، وحتى الخبز يحتاج إلى وقت كي ينضج.
وفوق هذه المعاناة، اشتكت أم معتوق من غلاء الطحين، حيث بلغ ثمن الكيس الواحد 3 آلاف ليرة سورية، وهي لديها 14 شخصا وهؤلاء يحتاجون كمية كبيرة من الطحين، خصوصا وأن كيس الطحين الواحد ينتهي في عجنتين اثنتين.
لكن الكثير من السكان نظموا تظاهرات ضد جماعات المعارضة، بما فيها جبهة النصرة، التي يرون أن أعضاءها لصوص. وفي أنحاء البلاد استولى المعارضون على مدارس ومستشفيات لاستخدامها كقواعد وأخذ الإمدادات الطبية والمعدات لحربهم.
وقال يامن، وهو طالب عمره 20 عاماً يدرس الرياضيات: «الحكومة تخلت عنا ولا يوجد شيء هنا. لا حياة ولا خدمات. الوضع السيء سيجعل كل شبابنا ينضم الى الجبهة». وأضاف «يريدون محاربة النظام ويرون أن جبهة النصرة الحل الأخير لسورية».
ويشعر كثيرون باليأس. وقالت فادية وهي زوجة عمرها 22 عاماً: «فقدنا مدينتنا وأطفالنا والآن سنخسر مستقبلنا». وأضافت: «لا يوجد شيء هنا. إنني أكره كل الأطراف، النظام والمعارضة والجيش السوري الحر وجبهة النصرة، لأن لا أحد منهم يهتم بالمدنيين”……………..الجزائر