يتناول وثائقي “آخر حروب صدام”، والذي عرضته قناة “العربية” في ثلاثة أجزاء متتالية، مساء الخميس، في طياته تفاصيل دقيقة عن القرارات الأمريكية التي تلت سقوط الرئيس الراحل صدام حسين، والتي كان لها وقع الزلزال على المجتمع العراقي.
فبعد فترة قصيرة من استقرار جاي جارنر، المدير السابق لمكتب إعادة الإعمار والمساعدة الإنسانية في العراق، في القصر العراقي الرئاسي المنكوب ببغداد، قام الرئيس الأمريكي جورج بوش في واشنطن بتعيين بديل له، ووقع اختياره على رجل قوي يتمتع بكفاءة عالية يدعى بول بريمر.
اسمه بالكامل لويس بول بريمر الثالث، فلاسمه طابع ملكي، وبالفعل سيتمتع في العراق بصلاحية نائب الملك، فهو عرف بأنه دائم التألق، ودائماً ما كان يعمل دون أن يكل، ولا يسمح لأي تفصيل بأن يغيب عن نظره.
فقد عمل بريمر مساعداً لدى هنري كسنجر، الذي قال عنه إنه مهووس بالسيطرة. كانت زوجته، فرانسيز، فخورة به للغاية، حتى إنها ألّفت كتاباً بعنوان “دليل تعايش للنساء اللواتي تزوجن رجالاً ناجحين في الحياة”، حيث ذكرت فيه أنها ستتذكر دوماً لحظة إعلان البيت الأبيض تعيين زوجها في العراق، حينها أمسكا بيد بعضهما وصليا معاً.
وصل بريمر، الملقب بجيري، إلى بغداد في 12 مايو/أيار 2003، واستقر مؤقتاً على سرير قابل للطي بالطابق الأول من القصر الجمهوري. كان ينهض في الخامسة صباحاً، ويركض خمسة كيلومترات في المنطقة الخضراء، قبل أن يبدأ العمل عند الساعة السادسة والنصف. وفي صباح كل يوم أحد، كان يشارك في قداس يقام في كنيسة صغيرة.
لم يكن يفكر بريمر إلا في خطته، وهي إخراج العراق من براثن الشياطين القدامى، ووضع البلاد على مسار الديمقراطية الحديثة، وقد كان يحب اتخاذ القرارات وحده.
وفي أول اجتماع لمجلس الحكم، تم سؤال بريمر بطريقة تهكمية عن صلاحياته ومسؤولياته في العراق، فأجاب: “أنا صلاحياتي هي كل صلاحيات المحتل، وصلاحيات صدام حسين، بالإضافة إلى ما أراه مناسباً”، فقد كانت له صلاحيات مطلقة.
وقد أصدر بريمر ثلاثة قرارات تسببت بزلزال قوي، أولها كان عزمه القضاء على حزب البعث والبعثيين في المجتمع العراقي، وكان أحمد الجلبي هو المسؤول عن مهمة التطهير. كان ثاني هذه القرارات هو حل الجيش العراقي ببساطة. أما ثالث القرارات فكان خاصاً بالقطاع الاقتصادي الذي تم تأميمه منذ عقود، فكان القرار هو التحول إلى التجارة الحرة، حيث سيتم بيع المصانع القديمة التي تملكها الدولة أو إغلاقها.