أصدر المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي بياناً لوسائل الاعلام لم يفصح فيه عن مقر إقامته ولا عن خططه المستقبلية، كما لم يقل صراحة إنه انشق عن النظام، لكنه أكد فيه أنه غادر بمحض إرادته واعتزل المشهد المتأزم في سوريا، بعد أن سيطرت عليه لغة الدم.
وأضاف مقدسي في البيان الذي تلقت “العربية.نت” نسخة منه: “اعتقدتُ أن مجرد مغادرتي بقرار شخصي ومستقل كانت كفيلة بأن تفهم الناس أنني وددت بذلك مخاطبة “العقلاء فقط” لأن الأطراف على الأرض لم تعد تستطيع بسبب الدماء أن تسمع أي صوت”.
وتابع: “أقول بصراحة أن الحراك الشعبي المتمثل بالمطالب المشروعة قد كسب – بمبادئه وجوهره – معركة القلوب لأن المجتمع بجميع أطيافه يقف دوماً مع الأضعف ومع المطالب المشروعة للناس، لكنه لم يحسم بعد معركة العقول لدى السوريين لأسباب كثيرة يطول شرحها و يعرفها الجميع”.
وأكد مقدسي في بيانه أنه “لم يكن هناك أي لغز وراء مغادرتي بل كان قراراً اتخذته بنفسي ويعلم بتفاصيله منذ أشهر عديدة أغلب من يعرفني بدون أية أجندات مسبقة، ولم تطأ قدمي أبداً لا أوروبا ولا أمريكا رغم أن جواز سفري يحمل كل السمات اللازمة، وليس لدي أسرار يطمع فيها أحد فما أعرفه كناطق إعلامي لا يتجاوز ما يعرفه أي مواطن سوري عادي. فأنا لستُ صانع قرار أو قائدا عسكريا، ولستُ ممن يفرط بالأمانة أصلاً، والدليل على عدم وجود أجندة مسبقة لي صمتي وعدم استثمار أحد لمغادرتي أبداً، لأنني خرجتُ من المشهد مستقلاً لكي لا أزيد ألم بلدي وليس العكس، ولكي لا أكون خنجراً بيد أحد ضد مصلحة سوريا، وكل ذلك لم يفهمه للأسف بعض من هاجمني فوراً”.
العنف أجهز على كل منطق
وقال الناطق السابق باسم الخارجية السورية: “لقد وصلتُ لمرحلة وجدتُ نفسي كسائر السوريين ممزقاً بداخلي بكل ما للكلمة من معنى فالعنف أجهز على كل منطق وعقل في الوقت الذي تحتاج سوريا فيه للعقل والحكمة أكثر من أي وقت مضى. وبات الاستقطاب والاصطفاف سيد الموقف وكأن ما يحصل في سوريا مجرد وجهة نظر”.
وتابع: “لقد غادرتُ بلدي سوريا مؤقتاً لأستقر – منذ مغادرتي – لدى إخوان لنا من الشرفاء ممن يساعدون الشعب السوري على تجاوز محنته الإنسانية بدون تمييز. لقد غادرت ساحة حرب ولم أغادر بلداً طبيعياً، وأعتذر من الناس الذين وثقوا بمصداقيتي على المغادرة بدون إعلان مسبق، فقد تمنيتُ لو كان بإمكاني البقاء على تراب الشام لكن لم يعد للوسطية والاعتدال مكان في هذه الفوضى وخرجت الأمور عن السيطرة، يريدها البعض معركة وجود فيما أنا أرى أنها يجب أن تبقى معركة لإنقاذ الدولة والكيان السوري عبر الشراكة الوطنية”.
وأبدى مقدسي خيبة أمله من نظام الأسد، قائلاً: “كان لدي- كسائر السوريين – أمل كبير بالإصلاح والتغيير الجذري وكانت هناك خطوات ملموسة تم اتخاذها لكن الأحداث الدامية والمؤلمة على الأرض أضاعت آمال السوريين. بأية حال ما هو مهم اليوم ليس قرار مغادرتي، ومغادرة غيري من السوريين من موظفين ومدنيين، بل معنى ورمزية هذا القرار للسوريين العقلاء.. معنى أن تغادر وتتخلى عن كل شيء بحياتك من دون مقابل لكي توضح أن هناك من يرفض العنف والاقتتال وليس بيده حيلة أو قدرة على التأثير.. إن كمية الدماء من كل الأطراف أكبر بكثير من قدرتي كإنسان و كأب على الاحتمال”.
الحوار هو المخرج الوحيد للأزمة السورية
وأشار مقدسي في بيانه أن الحوار هو المخرج الوحيد للأزمة في سوريا، حيث يقول: “لقد اخترتُ المغادرة بهدوء لكي أكون بشكل مستقل ووطني – كسائر السوريين – مع عملية التغيير السلمي المنشودة في سوريا المبنية على الشراكة الوطنية والحوار الوطني بين أبناء الوطن الواحد بعيداً عن الكراهية والتطرف والتدخل العسكري الخارجي فهذا هو المخرج السياسي الأنسب وقد يكون الوحيد للأزمة السورية، وأيضاً للوقوف بحرية مع الناس المظلومين لأنهم موجودون لدى كل طرف وبكثرة، فمعركة السوري ليست مع أخيه السوري”.
وانتهى بيان مقدسي إلى القول: “أطمئن كل من هو مشغول البال أنني غادرتُ بشكل مستقل لأنني غير طامع أبداً بأي منصب أو موقع و لست بمنافسة مع أحد، وأسعى لحياة مستقلة أقف فيها لجانب مبادئي وضميري فقط، وحتماً مع وطني الأم وليس ضده، بانتظار عودة العقل والحكمة، وقد كنتُ أعلم أن توقيت المغادرة لا يعني الكثير فمسؤولين كبار ومهمين على رأس عملهم غادروا ولم يؤد ذلك لتغيير واقع البلاد، والمعركة الدائرة مستمرة للأسف، والاستقرار ليس قريب المنال لأن العلاقات والتوازنات الدولية أهم من عذابات الناس في سوريا”.
وختم البيان قائلاً: “أقبّل جبين أم كل شهيد وكل أب مفجوع أو أخ قُتل برصاص أخيه السوري وأعزيه وأستسمحه إن جعلني موقعي الدبلوماسي أعطيه الانطباع بأنني أتجاوز معاناتهم الأليمة فنحن جميعاً أبناء عائلة سورية واحدة”.
لغز كبير
ويمثل مقدسي واحداً من أكثر الألغاز غموضاً منذ بدأت الثورة السورية قبل عامين، حيث اندلعت الاحتجاجات في بلاده عندما كان مسؤولاً في السفارة السورية في لندن، وبعد شهور قليلة من بدء الثورة غادر بريطانيا عائداً الى سوريا ليتولى مهمة الناطق باسم الخارجية السورية ويلمع نجمه بصورة مفاجئة، لكنه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي اختفى بصورة مفاجئة، وقال النظام السوري إنه في إجازة لمدة ثلاثة شهور، بينما قالت العديد من المصادر الأخرى إنه انشق عن النظام، في واحدة من أقسى الضربات التي يتلقاها نظام الأسد.