مقال لمحمد بزي، أستاذ الصحافة في جامعة نيويورك ورئيس مكتب الشرق الأوسط السابق في “نيوزداي” حيث تولى الكتابة حول حرب العراق وما تلاها من أحداث وهو زميل سابق لمجلس العلاقات الخارجية ويقوم حاليا بتأليف كتاب حول الحرب بالوكالة بين السعودية وإيران:
(CNN) — إذا كان هناك لاعب إقليمي استفاد أكثر من سواه من الرهانات الأمريكية في العراق، فسيكون إيران، فعندما غزت أمريكا العراق أزاحت أحد أبرز خصومها – صدام حسين – من السلطة، وقامت واشنطن بعدما بدعم وصول حكومة شيعية إلى السلطة لأول مرة بتاريخ العراق الحديث، وفي حين انشغلت أمريكا بمحاربة التمرد المسلح ومحاولة احتواء حرب أهلية كانت إيران تبسط نفوذها على كل التنظيمات الشيعية الكبرى.
اليوم تحاول إيران توسيع نفوذها بما يتجاوز التشكيلات التابعة لها بالعراق، وهي تقوم بشكل مريح بخطوات عسكرية، وما من أحد قادر على الحد من ذلك، إلى جانب أن ظهور تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الذي يتهم الشيعة بالهرطقة يهدد مصالح جميع التنظيمات الشيعية العراقية، وكذلك النظام الإيراني.
بنهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، شنت طائرات مقاتلة إيرانية عدة غارات ضد أهداف في شرق العراق، بهدف إبعاد مقاتلي داعش عن “الحزام الأمني” الذي أعلنته إيران في المنطقة الحدودية مع العراق، وكانت تلك الضربات المثال الأحدث على توسيع الدور العسكري والسياسي الإيراني في العراق، البلد الذي يعيش حربا أهلية معقدة تجعله مفتوحا أمام التلاعب الخارجي.
العراق ساحة لحرب إقليمية طاحنة تجري بالوكالة على أرضه، إيران ضالعة بشكل كبير في تشكيل السياسة العراقية، في حين أن داعش يمثل حالة امتداد الحرب السورية، كما أن السياسات الخليجية بدعم الجهاديين السنة في سوريا والعراق قد ساهمت بظهوره، وهو اليوم عرضة لغارات أمريكية تستهدفه كما تستهدف جماعات أخرى بالعراق وسوريا.
لدى النظام الإيراني عدة قضايا تهمه بالعراق، فالعراق يوفر له العمق الاستراتيجي ومنطقة عازلة بوجه السعودية وسائر الدول العربية السنية التي تتنافس مع طهران من أجل السيطرة على الخليج، كما أن إيران ترغب في التأكد من أن العراق لن يتحول مجددا إلى مصدر خطر يهدد مصالحها كما كان في فترة حكم صدام الذي أشعل بغزوه إيران عام 1980 نيران حرب استمرت ثمانية أعوام بين البلدين.. وستفعل إيران ما بوسعها لإبقاء السلطة بيد حكومة شيعية ترتبط معها بعلاقات جيدة.
لدى إيران ميزة أساسية تتمثل في قدرتها على السير بسياسات طويلة الأمد، وخاصة في العراق. استعداد إيران لصرف الأموال على مختلف التنظيمات التابعة لها سمح لها بامتلاك نفوذ كبير في السياسة العراقية، وقد تمكنت بعد فترة وجيزة من الغزو الأمريكي من بناء علاقات مع الزعيم الشيعي، مقتدى الصدر – الذي كان من بين أوائل منتقدي التدخل الإيراني في العراق – وساهمت إيران في بناء شبكة ميليشياته وخدماته الاجتماعية. وقد قدّرت إحدى الرسائل المبعوثة من سفير أمريكا بالعراق، كريستوفر هيل، إلى وزارة الخارجية الأمريكية عام 2009، المساعدات الإيرانية للتنظيمات العراقية بما بين 100 إلى 200 مليون دولار سنويا.
ويبدو أن إيران كانت مستعدة أيضا لتجاوز الخطوط المذهبية من أجل توطيد نفوذها في العراق، وهو أمر أشار إليه السفير هيل في رسالته إذ يقول: “ليس من المستغرب قيام إيران بدعم فصائل شيعية وكردية، وإلى حد ما سنية، من أجل تطوير اعتماد الهيكل السياسي العراقي على التمويل والدعم المالي الإيراني.”
وعلى غرار سائر جيران العراق، ساعدت إيران على إطالة ودعم حركات التمرد والحرب الأهلية في العراق، فقد قام الحرس الثوري الإيراني بتمويل وتدريب العديد من المليشيات الشيعية التي كانت تستهدف القوات الأمريكية، وكذلك المناطق السنية العراقية، ووفرت إيران الصواريخ والمتفجرات والأسلحة المتنوعة للمليشيات، بل إنها نقلت بعض العناصر العراقية إلى إيران من أجل التدريب على عمليات التفجير والقنص.
ساعدت أمريكا الفصائل الشيعية على تأمين صفقة وصول نوري المالكي إلى رئاسة الوزراء عام 2006، ولكنه مع تقدم الوقت ومحاولته التمسك في السلطة، بات المالكي يعتمد بشكل متزايد على إيران، وبات يعتمد أساليب أكثر قمعا وتسلطا، مستخدما القوات الأمنية العراقية من أجل ترهيب خصومه وإقصاء السنة عن السلطة.
بالنسبة لإيران، كان المالكي حليفا يعتمد عليه، فقد سمح بمرور الطائرات الإيرانية فوق أراضي بلاده لنقل السلاح والرجال لدعم نظام بشار الأسد في سوريا بعد الانتفاضة الشعبية ضده عام 2011، كما سمح بمرور آلاف المقاتلين العراقيين الشيعة إلى سوريا للقتال إلى جانب نظام الأسد.
ومنذ اجتياح داعش لمناطق شمال العراق في يونيو/حزيران الماضي، ساعدت طهران الحكومة العراقية الشيعية لمواجهة خطر المليشيات السنية، وسافر قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، إلى بغداد منذ بداية الأزمة من أجل تنسيق خطط الدفاع عن العاصمة مع المسؤولين السياسيين والعسكريين في العراق.
وقاد سليماني أيضا المليشيات العراقية الشيعية التي أشرفت إيران على تدريبها، بما في ذلك “فيلق بدر” و”عصائب أهل الحق” وهما من أشرس المليشيات المسؤولة عن انتهاكات فظيعة بحق السنة، من أجل قتال داعش. وبسبب ضعف وفساد الجيش العراقي أثبتت تلك المليشيات فعاليتها بوقف تقدم عناصر داعش.
عندما قبلت القيادة السياسية الإيرانية أخيرا استبدال المالكي في أغسطس/آب الماضي، رمت طهران بثقلها – إلى جانب إيران – وراء خليفته حيدر العبادي، وهو بدوره – على غرار المالكي – أحد قادة “حزب الدعوة” المدعوم من إيران. وخلال الأشهر الماضية، أكد مسؤولون أمريكيون أن إيران قدمت أطنانا من الأسلحة والمعدات العسكرية للقوات الأمنية العراقية وقامت بتوجيه رحلات سرية لطائرات دون طيار فوق بغداد، وأرسلت المئات من عناصر فيلق القدس لتدريب القوات العراقية وتنسيق تحركاتها.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، فقد الحرس الثوري العميد حميد تقوي، الذي قتل برصاص قناص في مدينة سامراء خلال تدريب قوات عراقية من الجيش والمليشيات، وقد شيعه الآلاف من عناصر الحرس الثوري الإيراني بحضور علي شمخاني، رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي قال للمشيعين إنه لولا وجود أشخاص مثل تقوي ينزفون الدم في سامراء لكان هناك نزيف للدم داخل إيران نفسها. أما الساسة في العراق فقد ذكروا أنهم حصلوا على الدعم الإيراني بسبب التردد الأمريكي في توفير الأسلحة والمعدات الضرورية.
الشرق الأوسط برمته نتاج حروب بالوكالة انفجرت في المنطقة خلال العقد المنصرم. في العراق قامت الأنظمة السنية المجاورة لذلك البلد بدعم المسلحين السنة، بينما دعمت إيران حكومة المالكي الخاضعة لسيطرة الشيعة والمليشيات الشيعية. أما في لبنان، فقد عمت واشنطن ودول الخليج العربية، وخاصة السعودية، إلى جانب مصر، حكومة يسيطر عليها السنة بمواجهة حزب الله الشيعي المدعوم من إيران. أما في الأراضي الفلسطينية، فقد دعمت إيران مليشيات حماس، بينما دعمت أمريكا والدول العربية المقربة منها السلطة الوطنية ورئيسها محمود عباس، وحركة فتح التي يقودها
وعندما أدركت الأنظمة في الشرق الأوسط بأم أمريكا ستخسر حربها في العراق بدأت بإجراء مناورات لحماية مصالحها والحصول على بعض المكاسب جراء الخسائر الأمريكية. فالسعودية، التي كانت تنظر إلى العراق على أنه جدار حماية بمواجهة النفوذ الإيراني، حاولت زعزعة استقرار حكومته الشيعية، فأسرة آل سعود الحاكمة تعتبر نفسها الزعيمة الحقيقية للعالم الإسلامي، ولكن إيران تحدت مرارا هذه الزعامة خلال العقود الماضية.
كما أن السعودية، ورغم أنها دولة تقطنها غالبية سنيّة، إلا أنها تخشى تمدد النفوذ الإيراني إلى الأقلية الشيعية في المملكة، والتي لها في بعض الأحيان تحركات احتجاجية تتركز بمناطق الثروة النفطية شمال المملكة. أما البحرين، وهي بدورها من الدول الحليفة لواشنطن، فهي بدورها محكومة من عائلة سنية تخشى النفوذ الإيراني على الغالبية الشيعية من السكان.
إيران تستخدم خليطا من عمليات التمويل والتدريب والدعم السياسي من أجل بسط نفوذها على الجماعات الشيعية الرئيسية في العراق. نوري المالكي لم يبدأ حياته السياسية كحليف لإيران بهذا الشكل، ولكنه اضطر مع مرور الأيام إلى الاعتماد عليها خلال صراعه للبقاء في السلطة. وحتى لو أن خليفته، حيدر العبادي، أرسل إشارات إلى رغبته بالتقرب من الغرب، إلا أنه سيبقى في كل الأحوال بحاجة لدعم إيران له من أجل إبقاء حكومته متماسكة.
وبشكل عام، فقد بات لدى إيران وأمريكا مصلحة مشتركة في إلحاق الهزيمة بداعش وإبقاء النظام في بغداد بحالة استقرار تسمح له بتجاوز الصراعات المذهبية. وتؤكد إدارة الرئيس باراك أوباما، وكذلك الحكومة الإيرانية، على عدم وجود تنسيق مباشر بينهما في العراق، ولكنهما في الواقع باتا في تحالف غير معلن.
لقد أشاحت أمريكا بنظرها في وقت كانت فيه إيران تزيد من تدخلها العسكري بالعراق خلال الأشهر الستة الماضية، ودون تعهد واشنطن بوضوح بأنها تعتزم تقديم المزيد من الدعم بالموارد العسكرية أو الجنود فإن إدارة أوباما لن تمتلك الأدوات الكافية للحد من نمو القوة الإيرانية في العراق.
لدى إيران الكثير من الأوراق التي تسمح لها بالاحتفاظ بنفوذها في العراق، وهي لن تتردد في استخدامها، حتى لو تطلب ذلك الانخراط بشكل أعمق في دور عسكري بحرب أهلية لا تظهر نهايتها في الأفق.
شو هذا المجنون صاحب السيف لساتو عايش؟