خلال عام 2014 أثبتت عمليات قطع رأس الغربيين على يد التنظيمات الإسلامية أنها سلاح فعال لبث الذعر، وبدأت الموجة بقطع رأس الصحفي جميس فولي، ومن ثم تبعه ستيفن سوتلوف وديفيد هاينز وآلان هاننغ وعبدالرحمن كيسيغ، وكانت العمليات وحشية إلى أبعد حد، ولكنها عصرية أيضا.
وأخذت عمليات القتل تلك بعين الاعتبار وجود ملايين المشاهدين الذين يتابعون التسجيلات، وبالتالي لعبت الكاميرا دورا جديدا في خلق نوع جديد من الجمهور لم يكن عاديا مقارنة بجمهور عمليات القتل المماثلة في السابق.
ففي 17 يونيو/حزيران 1939 جرى إعدام القاتل المتسلسل الألماني، إيغون وايدمن، خارج سجن “سانت بيار”، عبر قطع رأسه، وقام أحد الأشخاص بتصوير العملية بالفيديو، إلى جانب الصور الفوتوغرافية التي مازالت موجودة حتى اليوم، وقد شغلت تلك الصور صدر الصفحات الأولى لصحف ذلك الزمان.
ولم تضمن الصور تسجيل عملية توثيق الإعدام بقطع الرأس فحسب، بل ضمنت أيضا تخليد المشهد للأجيال الجديدة التي بات بوسعها العودة إلى أرشيف التسجيلات ورؤية الإعدام عبر الانترنت.
فكرة تخليد مشهد قطع الرأس دفعت السلطات آنذاك إلى إلغاء الإعدام العلني، والاستعاضة عنه بتنفيذه داخل السجن، ولم يكن السبب الرغبة في تجنيب الناس فظاعة المشهد، بل رغبة الناس في رؤية صور عمليات قطع الرأس، بصرف النظر عن فظاعتها
لقد كانت عمليات قطع الرأس تاريخيا وسيلة للترهيب في زمن لم يكن هناك وسائل ترفيه للجماهير، وقد أثبت اختراع أفلام الفيديو ذلك دون أي شك، وإذا كان هناك من درس نتعلمه من تاريخ عمليات الإعدام فهو أن هناك على الدوام من يرغب في مشاهدتها، واليوم بات الانترنت الضمانة الأكيدة للمشاهد لحضور تلك العمليات بخصوصية كاملة، فما من أحد سيعرف بأننا جلسنا لمشاهدة فظائع من هذا النوع ونحن ندرك بأننا تتعلق بجريمة “لا صلة لنا بها.”
في القرن الحادي والعشرين، بات هناك انفصام متزايد بين المشاهد والأحداث التي وقعت في الماضي أو في دول أخرى، ونتج عن ذلك إمكانية أن نجلس بمفردنا لمشاهدة لقطات قريبة للمشاهد التي نرغب بها دون معرفة أحد بذلك. لقد تعامل عدد كبير من المشاهدين مع عمليات قطع الرأس التي نفذها تنظيم داعش وكأنها حلقات من مسلسل درامي وحشي، وكان القتلة يدركون أننا سنجلس مشدودين إلى الشاشات لمتابعة الحلقات، كما كانوا يدركون بأن أولئك الذين لن يشاهدوا عمليات الذبح سيكون عليهم مشاهدة الكم الهائل من التعليقات والتحليلات المرتبطة بها.
إنتاج هذه الأفلام لا يتطلب الكثير من المال والتنظيم والتكنولوجيا مقارنة بالعمليات الإرهابية الأخرى، ولكنها وسيلة تضمن تأثيرا واسع النطاق. بل إنها وسيلة يمكن استعادتها بصريا في كل مرة يتم الحديث عنها وهي قادرة في كل مرة على توليد نتائج نفسية واضحة. لقد تحولت الكاميرا إلى مسرح تقام عليه عمليات الذبح وقطع الرؤوس العلنية ورمح ترفع عليه الرؤوس المقطوعة لعرضها أمام العامة.
عندما يقوم المجرمون المتطرفون بقطع رؤوس الضحايا الأبرياء فإنهم يتمكنون عبر الكاميرا من مخاطبة جمهورهم وتقديم حججهم، أما الضحية فتقف أمام الكاميرا دون حول ولا قوة، لتمثل رمزيا عجز مواطني الدولة التي تنتمي إليها عن التدخل. هذه المشاهد تمثل نجاحا للقاتل في تحقيق رغبته بأن يراه الجميع، وقد سبق لقتلة داعش أن أظهروا القدرة على الاعتماد على التلاعب الذكي بوسائل التواصل الاجتماعي من أجل ضمان وصول صورهم إلى شاشاتنا ودفعنا إلى مشاهدتها قبل أن ندرك ذلك.
والأهم أن انطباعاتنا حول التسجيلات ومحتوياتها يمكن نقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فوري إلى الحشود التي تراقب معنا عبر الانترنت مشاهد الذبح، ما يخلق حالة من الوعي الجماعي الذي يتشابه كثيرا مع ردود فعل الحشود الحقيقية.
عندما جرى نشر تسجيلات قطع رأس الصحفي جيمس فولي، طلبت ناشطة سورية تدعى هند عمري من جميع الناشطين على مواقع التواصل عدم إعادة نشر التسجيل، وأسست وسما إلكترونيا تحت شعار “حجب داعش إعلاميا” دعت خلاله إلى إلقاء الماء لإطفاء نيران” التنظيم المتشدد.
وتمكنت تلك الحملة من التحرك بزخم قوي خلال ساعات قليلة، واستجاب موقع تويتر لها فقام بحجب جميع التغريدات التي احتوت على روابط للفيديو، وللمرة الأولى منذ نشر فيديو قتل دانيال بيرل في باكستان عام 2004، بات للأغلبية الصامتة صوت مسموع، وتزايدت أعداد أولئك الذين يرفضون مشاهدة هذه النوعية من التسجيلات.
مشاهد قطع الرؤوس لا تحتوي على بطولات أو إظهار للقوة، فالقاتل الذي يحترف قطع الرقاب لا يستطيع بالضرورة الفوز في معركة حقيقية، خاصة وأن الضحية تقبع دون حول أو قوة منتظرة الموت، ولكن الانتصار الحقيقي للقاتل لا يكون إلا بأداء دوره الكامل خلال فيديو الذبح، ومن ثم دفعنا إلى مشاهدته.
التكنولوجيا الحديثة قد توفر للمشاهدين فرصة مشاهدة تلك التسجيلات بخصوصية كاملة، ولكنها بوابة أيضا لعرض التمدن البشري. لا يمكن للخير أن ينتج عن جرائم القتل، ولكن التقدم في محاربة تلك الأعمال يكون من خلال قدرة الجمهور على حرمان القاتل من التمتع بجائزته، ولا يكون ذلك إلا بالامتناع عن عرض الصور القاسية التي يرغب القاتل بأن نراها.