تتصاعد في الجزائر حالة القلق في الأوساط الإعلامية والسياسية من تماطل السلطات في إقرار “قانون السمعي البصري” يتيح إنشاء القنوات التلفزيونية والإذاعية الخاصة.
ولا ينظر قطاع واسع من الإعلاميين والسياسيين والمهتمين بالقطاع السمعي البصري في الجزائر بعين الرضى إلى التصريحات المتضاربة لوزير الاتصال الجزائري محمد السعيد، التي يقول فيها مرة إنه انتهى من إعداد قانون السمعي البصري، وإنه سيتم عرض القانون على البرلمان قبل منتصف السنة الجارية.
وتحتكر الدولة في الجزائر القطاع السمعي البصري، حيث تشغل خمس قنوات، هي القناة الرسمية، وقناة “الجزائر” باللغة الفرنسية موجهة للجالية الجزائرية في أوروبا، والقناة “الثالثة” الموجهة إلى الفضاء العربي، والقناة “الأمازيغية” موجهة لسكان منطقة القبائل، إضافة إلى قناة “القرآن الكريم” الدينية.
وأعلنت السلطات الجزائرية قبل أسبوعين منحها اعتماد مكاتب لثلاث قنوات تلفزيونية جزائرية خاصة، هي قناة “النهار” المعتمدة في تونس وتبث منها، وقناة “الشروق” المعتمدة في الأردن وتبث منها، وقناة “الجزائرية” المعتمدة في فرنسا وتبث منها.
وتنشط في الجزائر ثلاث قنوات جزائرية أخرى، لكنها لم تحصل بعد على الترخيص بالنشاط كقناة أجنبية، وهي قناة “الهقار” لرجل أعمال وتبث من البحرين، وقناة “نومديا نيوز” الإخبارية التي تبث من الأردن.
لكن السلطات الجزائرية أكدت أن اعتماد مكاتب لهذه القنوات الجزائرية تم على أساس أنها قنوات أجنبية بالنظر إلى أنها معتمدة وتبث من الخارج، وأعلنت في نص البيان الذي أصدرته أن هذا الترخيص يمتد إلى غاية 31 ديسمبر/كانون الأول المقبل فقط، وأنها قد تسحبه في أي وقت في حال إخلال أي قناة بالقوانين الوطنية.
قنوات جزائرية تعمل كقنوات أجنبية
ويقول فاروق معزوزي، عضو هيئة تحرير قناة “الهقار” من المثير للاستغراب أن تضطر قنوات جزائرية إلى الحصول على الاعتماد في الخارج والعمل في الجزائر كقنوات أجنبية، في ظل غياب قانون السمعي البصري.
وفي نفس السياق يقول مدير مشروع قناة “الخبر” التي تتبع صحيفة “الخبر”، كبرى الصحف والمؤسسات الإعلامية في الجزائر، زهر الدين سماتي: “أتعس ما في الوضع الراهن أن يلجأ الجزائري إلى الخارج لاستغلال كفاءاته بالعمل في قنوات أجنبية، والبعض الآخر يؤسس قنوات في الخارج ويطلب الاعتماد في وطنه كباقي القنوات الأجنبية عندما يطرح علي سؤال حول هذه المسخرة التي نعيشها حالياً، ينتابني نوع من الخجل والحرج، ولا أجد الجواب المقنع”.
وأضاف سماتي “كل المعطيات التي بحوزتنا تدل على أن الحكومة تعطل فتح قطاع السمعي البصري في الجزائر، وتتماطل عمداً في إصدار هذا القانون، وكأننا بصدد إنشاء مفاعلات نووية لا قنوات تلفزيونية”.
ويؤشر سماتي إلى “ملاحظة تصريحات وزيري الاتصال السابق والحالي التي لا تخلو من الوعود، تتحدث عن ثلاثي سنة كذا وسداسي سنة كذا، إلى آخر وعد حدّد قبل نهاية السنة الحالية، وكم هي بعيدة. ولا نظن أنها ستتحقق رغم أنهما يتكلمان باسم الحكومة الجزائرية، وينفذان في الحقيقة التزامات رئيس الجمهورية الذي وعد ولم يف بها”.
ووزير الاتصال محمد السعيد، هو مرشح سابق للانتخابات الرئاسية في عام 2009، وأنشأ عام 2012 حزباً سياسياً شارك به في الانتخابات البرلمانية ولم يحصل على أي مقعد في البرلمان، وهدد بحل الحزب والخروج من الساحة السياسية، لكنه فاجأ الجميع بالقبول بالمشاركة في الحكومة، وتحول إلى مدافع سياساتها، ويبرر احتكارها للفضاء التلفزيوني.
قانون غامض
وتنتظر عدة قنوات تلفزيونية في الجزائر القانون الجديد للحصول على الاعتماد والبدء بالبث من الجزائر، بينها قناة “الخبر” التابعة لمؤسسة الخبر، وقناة “الجديد” التابعة لمؤسسة الجديد الإعلامية، وقناة “الأطلس” التي يملكها عيسى بلهادي مؤسس حزب سياسي، وقناة أخرى تابعة لرجال الأعمال علي حداد.
لكن ما رشح من تسريبات عن مضامين مشروع قانون السمعي البصري الذي تقترحه الحكومة، يفيد بأن الحكومة ستلزم القنوات الخاصة التي تعمد لاحقاً بعد إقرار هذا القانون، بالعمل كقنوات موضوعاتية متخصصة.
ويرى الأستاذ في معهد الإعلام والصحافة في الجزائر، عبدالكريم تيفرقينت، إن “تأخر قانون السمعي البصري ناتج عن الخوف من حرية التعبير، فالنظام الجزائري لا يريد من ينتقده ومن يعارضه، والسلطة الآن تحاول وضع قانون على المقاس، أي قنوات تلفزيونية تلبي حاجيات ورغبات النظام، ولا تخدم انشغالات المواطن”.
ويقول المسؤول في هيئة قناة “الجديد” قيد الإنشاء، رشيد شويخ لـ”العربية.نت”: “يقلقنا كثيراً تأخر صدور القانون لأنه متأخر أصلاً، وإذا صح أنه يتضمن تحديد توجهات موضوعاتية للقنوات الخاصة فإن هذا يتناقض مع مبدأ الموضوعاتية وحرية المبادرة”.
وأضاف شويخ “هذا الوضع سيكرس صورة مصطنعة للمشهد السمعي البصري في البلاد مستقبلاً، كما أنه سيبقي الرأي العام الجزائري رهين القنوات الإخبارية الأجنبية التي تتحكم في توجهات الجزائريين”.
والواضح أن السلطة في الجزائر تعيش في حالة فوبيا الصورة والصوت، وتخشى فقدان سيطرتها على المجال السمعي البصري، ولذلك تعمل على تأخير وتعطيل أي مشاريع جادة للقنوات التلفزيونية خاصة في الجزائر، في سياق مسعى الإبقاء على التلفزيون الحكومي كبوق دعائي لصالح سياساتها.
ويعتقد الأستاذ الجامعي عبدالكريم تيفرقنيت أن “السلطة والنظام السياسي في الجزائر يخاف الصورة، وهذا حال المجتمعات التي عرفت أنظمة شمولية غير ديمقراطية، فالانقلابات في العالم الثالث كانت تقام في الإذاعات والتلفزيونات قبل أن تظهر في الشارع”.
ويضيف “في الجزائر نشرة الثامنة في التلفزيون الحكومي تمثل حرص النظام على السمعي البصري، حيث يلتف حولها رجال السياسة وإطارات الدولة جميعهم والوزراء والولاة”.
ويعتقد عضو هيئة تحرير قناة “الهقار”، فاروق معزوزي، أن حسابات الانتخابات الرئاسية المقبلة في أبريل/نيسان 2014، تطغى على أي حديث بشأن إمكانية فتح المجال لإنشاء القنوات الخاصة في الجزائر، ويرجح عدم إمكانية إصدار ووضع قانون السمعي البصري حيز التنفيذ قبل هذه الانتخابات تلافياً لأي تشويش من القنوات الخاصة على خيارات السلطة”.