جدل جديد يشهده المغرب هذه الأيّام حول لغات التدريس بعد مذكرة أرسلها وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، رشيد بن المختار إلى الأكاديمات التابعة لوزارته، يطالب من خلالها بتدريس مادتي الرياضيات والعلوم الفيزيائية في الشعب التقنية-الصناعية باللغة الفرنسية عوض اللغة العربية، الأمر الذي جرّ حنق المدافعين عن اللغة العربية، إذ اعتبروا المذكرة إمعانًا في محاربة هذه اللغة.
المذكرة تشير إلى تدريس الرياضيات والعلوم الفيزيائية في الثانوية العامة، وذلك بالنسبة للسنة الأولى المشتركة للتكنولوجيا (الجدع المشترك) ومسالك التقني-صناعي، وذلك ابتداءً من الموسم الدراسي القادم 2016-2017، لافتة إلى إمكانية الشروع في تدريسها ابتداءً من العام الجاري بالنسبة للسنة الأولى.
ومن أضخم ردود الأفعال على مذكرة الوزير الذي لا ينتمي إلى أيّ حزب سياسي، ما جاء على لسان أحمد الريسوني، القيادي البارز في حركة التوحيد والإصلاح، الذراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، إذ اتهم الوزير بشنّ حرب مقدّسة ضد اللغة العربية، وبإصدار “مذكرة انقلابية”، متحدثًا عن أن ذلك “غير مُستغرب من رجل منذ عرفناه وهو لا يفوّت فرصة لاستبعاد اللغة العربية وتهميشها”، وبأنه “أسوأ وزير تعليم عرفه المغرب منذ نهاية ستينيات القرن الماضي”.
وشبّه الريسوني، فيما كتبه بموقع الحركة، رشيد بن المختار بوزير سابق في المغرب، اسمه محمد بنهيمة، الذي قاد حملة كبرى لأجل فرنسة التعليم العمومي، متحدثًا عن أن الوزير الحالي “يعادي العربية بما أنه يجهلها”، لا سيما بعدما صرّح سابقًا أنه لا يستطيع التحدث بها، متهمًا إيّاه بـ”عدم معرفة الشعب، وعدم احترام هويته وإرادته وتجاهله للدستور المغربي”.
إلّا أنه في الجانب الآخر، هناك من رأى القرار إيجابيًا، وقد كتب المهندس مروان العربي لمحرزي، وهو مهتم بالتقنيات الحديثة، أن التدريس المواد التقنية باللغة الفرنسية هو أفضل ما قامت به الحكومة، متحدثًا عن أن التلميذ يدرس حاليًا هذه المواد بالعربية في الثانوية العامة، وعندما يمرّ إلى التعليم الجامعي، يُجبر على الدراسة باللغة الفرنسية، بينما إذا بدأ التلميذ دراسة الفرنسية منذ الثانوية العامة، فلن يصدم يهذه اللغة في التعليم الجامعي كما يقع للكثير من الطلبة.
وأضاف لمحرزي في تدوينة له إن المطالب بتدريس المرحلة الثانوية باللغة الإنجليزية تبقى غير واقعية في المرحلة الحالية، بما أن الأمر يتطلّب فترة طويلة لتكوين الأساتذة في هذه اللغة وكذا تغيير الشركاء الاقتصاديين للدولة، مشيرًا إلى أن “سياسة التعريب لم تفد بشيء، بل أنزلت التعليم المغربي إلى أسفل السافلين”.
وكان المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وهو مؤسسة استشارية أنشأتها الدولة، قد أشار ضمن خطته القادمة إلى العمل على تقوية حضور اللغة الإنجليزية في التعليم على مراحل، وكذا الاستمرار في التدريس باللغة العربية، مع تعميم وتشجيع تدريس اللغة الأمازيغية، والحفاظ كذلك على المواد الخاصة بالفرنسية. لذلك يظهر أن التراجع عن التدريس بالعربية في الشعب التكنولوجية والتقنية أثار حفيظة عضو المجلس، أمينة ماء العينين.
وكتبت ماء العينين، التي تنتمي إلى حزب العدالة والتنمية، إن مذكرة الوزير تعدّ “خطوة انفرادية تعاكس حتى الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين التي نصت بوضوح على أن اللغة العربية هي لغة التدريس الأساس، مع إمكانية اعتماد الفرنسية أو الانجليزية لتدريس بعض المجزوءات والمضامين داخل المادة الواحدة وليس لتدريس المواد بكاملها”.
وينصّ الدستور المغربي على رسمية اللغتين العربية والأمازيغية، كما ينصّ على تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولاً، وعلى حماية وتنمية مختلف التعبيرات الثقافية المغربية. وقد سبق للمغرب أن شهد نقاشَا قويًا حول استخدام العامية في التعليم، كما يشهد من حين لآخر دعوات بالتحرّر من الفرنسية التي انتشرت في المغرب منذ الاستعمار، وتعويضها بالإنجليزية، بما أن هذه الأخيرة أكثر استعمالًا في العالم.