في الوقت الذي تترقب فيه الساحة السياسية اللبنانية ما يمكن أن يقدم عليه رئيس التيار الوطني الحر، العماد ميشيل عون، بعد التهديدات التي أطلقها منذ فترة، للنزول إلى الشارع من أجل “حقوق المسيحيين المهدورة”، كما وصفها إعلام “حزب الله” حرفياً، يقوم إعلام الحزب بـ”النأي بنفسه” ظاهريا عن تحركات عون، حيث تؤكد المصادر أن نأي الحزب بنفسه لم يكن أكثر من “اختفاء مرحلي” لإظهار رئيس التيار الوطني الحر بمظهر “الحليف” المستقل الذي قام بتحركه دون “إملاء” أو “إلهام” من أحد.
وكانت تقارير قد نشرت في العاصمة اللبنانية بيروت، وفي وسائل إعلام تابعة أو مقربة إلى “حزب الله”، تشير إلى “انعكاس سلبي” لتحركات عون المزمع القيام بها، إلا أن تقارير “حزب الله” أشارت إلى “خصوم عون من المسلمين” الذين اعتبرتهم التقارير سيقومون “بحملة مضادة تستهدف صلاحيات المسلمين”ن على اعتبار أن حملة عون “ستناسبهم” لجهة “إفقادها الطابع الوطني”، بسبب أن تيار عون أوحى أنه يريد تحقيق مكاسب “على حساب بقية اللبنانيين”.
العقبة في “الشريك المسلم”
لفت المراقبون إلى أن “تحريض حزب الله” على مسيحيي لبنان تم منذ فترة، عندما قام الحزب بنشر ما اعتبره وثائق عن “مسيحيي السفارة السعودية”، ثم تلاها بهجوم غير مسبوق على رموز سياسية لبنانية مسيحية، طالت الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، والدكتور سمير جعجع، وبعض الشخصيات الإعلامية والوطنية المسيحية المحسوبة على تيار 14 آذار، الأمر الذي تراه مصادر متعددة بأنه “تمهيد بالإعلام” لخطوة عون المنتظرة.
وكان إعلام “حزب الله” قد شكّك بأن “يستنفر” مسيحيو العالم العربي “لنصرة مسيحيي لبنان” كما قال حرفياً، موضحاً أن إحجام المسيحيين العرب عن نصرة مسيحيي لبنان ليس سببه “غياب الرغبة” بل “النقص الواضح في المقدرة”، مهدّدا حلفاءه بدور “داعش والنصرة والسلفية الجهادية” التي تريد “أن تحكم العالم العربي”.
موضحاً أن العقبة في وجه تحركات عون تكمن “في الشريك المسلم”، لأنه “ليس في وارد التنازل”.
وتتابع المصادر نقلها عن تقارير “حزب الله” التي وصفت بالتمهيد الإعلامي لخطوات عون المزمعة، حيث لحظ المراقبون “التحريض الناعم” الذي عكسته التقارير التي “فشلت في مسعاها” بتصوير “حزب الله” بعيدا عن خطوات حليفه ميشيل عون، إذ تقول التقارير عن “المسيحيين العرب” بأنهم “يتذمرون لأنهم لم يجدوا النصير القادر على الحد من الانهيارات”، خصوصا أن من هاجر من “مسيحيي سوريا والعراق إلى لبنان” لا يشعر بأنه “مرحّب به بصورة جدية”.
أوروبا “سُنيّة”
يستكمل “حزب الله” في تقاريره، عرض “وجهة نظره” من دعوة حليفه العوني، على ما سمّاه الحزب “حقوق المسيحيين المهدورة” فيقول إن الاهتمام الدولي بمسيحيي المنطقة لم يتبق منه “سوى تلك الجماعات التي تشجّع من بقي منهم في العالم العربي على الهجرة” إلى ما سمّاه “العالم المسيحي”.
واتهم “حزب الله” أوروبا بأنها لم تعد مهتمة “بوجود قوة مسيحية لبنانية لها فعاليتها في المنطقة”، ذلك أن “أوروبا العجوز”، ويحدد “حزب الله” منها على الأخص “فرنسا وبريطانيا” بأنهما “أقرب إلى المسلمين، والسنّة منهم على الخصوص”.
وعن الموقف الأميركي من “مسيحيي المنطقة” يرى حزب الله أن الولايات المتحدة الأميركية تتعامل مع المسيحيين كونهم من العرب فقط بدون أن يكون لهم “ما يميّزهم عن غيرهم”.
الفاتيكان شريك بهضم حقوق المسيحيين
وينتقل “حزب الله” ليذكر في تقاريره التي أعدها ونشرها فيما يستعد حليفه لتحصيل ما سمّاه الحزب “حقوق المسيحيين المهدورة” إلى تركيز هجومه على الفاتيكان، الذي رآه أنه “يمارس سياسة الانطواء”، وأن الفاتيكان “استقال” من دوره الثقافي والسياسي. وعلى ذلك فمن الصعب توقع أنه “سيقوم بانقلاب جذري” لصالح “مسيحيي لبنان”، قائلا لمؤسسة الفاتيكان: “مؤسسة الكنيسة في مشرقنا العربي بحاجة إلى ثورة على كل الصعد”، موجهاً سؤاله إلى الفاتيكان: أليس من المفارقة أن غالبية القوى المسيحية في لبنان والمنطقة تتلقى الدعم الأكبر إما من السعودية أو من إيران؟”.
“رمتني بدائها.. وانسلّت”
أكثر ما لفت المراقبين هو انتهاء تقارير “حزب الله” بعد كل التوطئة الإعلامية المحرّضة لخطوات حليفه، بنصيحة إلى ميشيل عون، مفادها أن عليه “المسارعة إلى إعادة الاعتبار لوطنية هذا التحرك”، مطالبا الجنرال بـ”التوقف عن عملية التعبئة على أساس طائفي أو مذهبي”. حتى تساءل مراقبون عن “حقيقة التعبئة الطائفية والمذهبية” بعد تقارير الحزب التي اعتبرت أوروبا “سنّية” والفاتيكان “شريكا ضد المسيحيين”، أما شركاؤهم في لبنان “فهم ليسوا في وارد التنازل”. وعندما لجأ مسيحيو العراق وسوريا إلى لبنان “فلم يلقوا ترحيبا جديا” من أقرانهم، ذلك أن “الكنيسة المشرقية” بحاجة “إلى ثورة على كل الصعد”.
لتنتهي التوطئة التي لم يقدر “حزب الله” على إخفاء ما تتضمنه من “تهييج لشارع حليفه” بأن يطالبه، بمفارقة لم تحدث من قبل أن “يتوقف (هو) عن التعبئة الطائفية”.
إن فاز فزنا وإن خسر يخسر وحده
وعلّقت وسائل إعلام لبنانية على “محاولات حزب الله” الزج “بعون” والتلطي وراء “مطالبه” وما إذا كان “حزب الله” سيرفع “لواء الدفاع عن مسيحيي الأمة” بعد رفعه لواء الدفاع “عن شيعة سوريا”، خصوصا أن إعلام النظام السوري، وبالتوازي مع تقارير “حزب الله”، ركّز على إثارة الرأي العام المسيحي في سوريا، من خلال ما سبق ونقله موقع “العربية.نت” عن “تصوير جثث المسيحيين” وإبراز وشم الصليب، الأمر الذي أعده خبراء إعلاميون بمثابة “فضيحة إعلامية ومهنية” في أن يسارع النظام السوري إلى تصوير جثث مسيحيين، محاولة منه في “زجهم بمعاركه مع المعارضة السورية” ولو أدى ذلك “إلى حرب أهلية” يجاهد نظام الأسد في استعمالها “مبررا لبقائه في الحكم” كحارس “علماني” لمنطقة تعج بالاثنيات والطوائف.
وقد سبق لإعلام “حزب الله” في الأيام الأخيرة، أن نشر تقارير تفيد بأن التحالف مع بشار الأسد وحسن نصرالله هو “من مصلحة المسيح والمسيحية”.
ويشير أكثر من مصدر لبناني إلى أن “حزب الله” الذي أراد الظهور بمظهر “الناصح” الذي يريد النأي بنفسه، بعد كل تحريضه للشارع المسيحي اللبناني كما عكست التقارير السابقة، يستهدف إما أن يترك حليفه وحده في الشارع كي لا يثير باقي القوى اللبنانية ضده، أو أنه “يتفرّج” على حليفه، فإن كسب تقول المصادر كسب “حزب الله” معه، أما لو خسر فيخسر الحليف وحده.