أدركت الحكومة السورية حجم خطر موقع “الفيسبوك”، خاصة بعد اندلاع الثورات في العالم العربي، على اعتبار أنه بمثابة غرفة عمليات للمتظاهرين ومنبر للإعلان عن تحركاتهم، ومساحة لتوثيق جرائم الأنظمة وانتهاكاتها.
لقد كان مضحكاً حين تجمع العشرات في سوريا أمام السفارة المصرية وقام أحد الضباط بسؤالهم صارخاً “أنتوا جايين من الفيسبوك”، إلا أن الأحداث اللاحقة أبرزت دور مواقع التواصل الاجتماعي في عملية التواصل والتنسيق، وإصدار البيانات، حتى أن النواة الحقيقية لتنسيقيات الثورة السورية ومكان عملها الأوسع كان عبارة عن صفحة على الموقع الأزرق، منها يقوم الناشطون بتحديد تحركاتهم، وكيفية تمرير المساعدات الإنسانية والطبية بعيداً عن حواجز الجيش.
أولى التنسيقيات كانت تنسيقية أحياء دمشق، حيث أنشأتها مجموعة من الشباب المتعلمين، وتم إصدار مطبوعة خاصة بها فيما بعد، ونظمت عدة تظاهرات في قلب العاصمة دمشق، المكان الذي يضرب عليه طوقاً أمنياً لا يرحم منذ اللحظات الأولى للثورة السورية.
ثم صارت كل مدينة تنشأ تنسيقية خاصة بها، حتى الأحياء والكليات الجامعية، بهدف إيجاد طريقة للقاء في بلد لا دور للنقابات وللمؤسسات فيه، فكل النقابات والمؤسسات هي مؤسسات شكلية يحتكرها النظام وأبواقه، يتلخص كامل عملها في مدح أركان النظام الحاكم.
وأخذت التنسيقيات مساحة واسعة ضمن التشكيلات السياسية المعارضة، فكانت لهم مقاعد مخصصة ضمن المجلس الوطني المعارض وضمن الائتلاف الوطني، كما تولى المشرفون على التنسيقيات مهمة الظهور إعلامياً، وتوثيق عدد الشهداء والجرحى، ليتحولوا إلى إعلاميين، وناشطي حقوق إنسان، وحتى إلى مسعفين في كثير من الأحوال.
التنسيقيات التي كان فضاؤها الأوسع وحيزها الأكثر فاعلية هو موقع الفيسبوك، صارت اليوم بمثابة وكالات أنباء إخبارية، فمنها تؤخذ التقارير وإحصائيات عدد الشهداء والجرحى، صارت بمثابة إعلام ينبض بدم جيل جديد تدفعه العزيمة والروح الثورية للإطاحة بنظام ظل في الحكم لما يزيد عن الأربعين عاماً.
وتتولى تنسيقيات الثورة اليوم مهمة تسيير أحوال المواطنين وتنظيم شؤون حياتهم في المناطق التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر، وذلك بالتعاون مع المجالس المحلية التي أسس لها المثقف والناشط الراحل عمر عزيز الذي قتل تحت التعذيب في سجون النظام منذ وقت قصير.