لأول مرة منذ بداية الثورة السورية تتشح حمص “مدينة النكتة والإبداع والطرافة وعاصمة الثورة”، لأول مرة بالسواد مسجلة لحظات الموت التي خطفت 90 شاباً خلال أيام قليلة، 60 منهم هم مقاتلو “كتيبة شهداء البياضة”، وهي أول كتيبة تتشكل في الثورة، وهي الكتيبة التي تحمل اسمين، فيطلق عليها السوريون إضافة لاسمها لقب “كتيبة الساروت” نسبة إلى “حارس الثورة” عبدالباسط الساروت، والذي أعطاه السوريون ألقاب عديدة أولها حارس الثورة وليس آخرها أيقونة الثورة.
وأما الـ30 الآخرون الذين قضوا أمس فإن جثثهم تناثرت أشلاء على أرض منطقة الوعر في حمص، حيث أدى القصف العشوائي والغزير من قبل قوات النظام إلى سقوط 30 قتيلاً وجرح أكثر من 100 خلال وقت قصير، وبث ناشطون مقاطع فيديو لأصوات أنين الجرحى وبكاء مدنيين بسبب فقدانهم لذويهم، وأما المشهد الأكثر إيلاماً فكان منظر عشرات الجرحى المنتظرين دورهم في العلاج لوجود 3 أطباء فقط في الوعر.
ويقول الناشط “ع.س” للعربية.نت”: صعدت للسطح لأوثق القذائف التي بدأت تسقط بغزارة على الوعر، ولكن شعرت بالرعب مما صورته كاميرتي، خرجت إلى الشارع لأحاول تقديم المساعدة، ولكنني بدأت أدوس على أشلاء اللحم المحروق والمنثورين هنا وهناك، وقبل أن أخرج من حالة الذهول عاد القصف ليستهدف تجمع الناس الذين كانوا يحاولون إنقاذ من يمكن إنقاذه، لم أسمع غير أصوات البكاء، إضافة لآخرين يعلنون “استشهد أخي واستشهد قرايبي”.
وأفاد ناشطون أن القصف الهمجي على الحي بدأ مساء أمس بقذيفة على باب مدينة المعارض وهو سوق تجاري مكتظ دائما، وثانية في شارع الثورة عند أحد باعة الخبز، ثم توالت القذائف على الحي من مشفى الوليد حتى الجزيرة الثامنة لتمشط الحي بالكامل بأكثر من 40 قذيفة، بحسب “تنسيقية حي الوعر”.
وإن كانت حمص لم تتوقف لحظة واحدة عن رسم الابتسامة للسوريين، سواء بالفيديوهات التي صورها أبناؤها، أو بالنكات والسخرية من الأسد ورجاله وكل ما يمت للنظام بصلة، حتى إن النسبة الأكبر من الصفحات السورية على الفيسبوك والمعروفة بأنها تحمل نقداً لاذعاً مضحكاً وساخراً تحمل الهوية الحمصية دائماً، ولكنها اليوم صمتت بعد أن ودعت كتيبة الساروت، ولم تحظَ بفرصة دفن الـ30 الذين قضوا أمس لعدم وجود أجساد توارى التراب، وإن كان الحزن قد سيطر على حمص، فإن السوريين كلهم دخلوا مأتماً علنياً، وصفحات الفيسبوك بدأت بجمع “مليون توقيع لتكون اسم الجمعة القادمة عبدالباسط الساروت”، وانتشرت صوره في جميع الصفحات، ووضعها الكثيرون كصورة تعريفية لهم.
حكاية كتيبة الساروت وفك الحصار
بعد أن وصل حصار حمص القديمة إلى واحد من أطول الفترات التي تحاصر فيها مدينة “600” يوم، وبعد أن أصبح الجوع العدو الأول الذي بدأ بالفتك بالناس داخل حمص المحاصرة، بدأت حكاية كتيبة الساروت وشباب حمصيين، أو خطتهم لفك الحصار والتي انتهت بمقتل 60 من رجال الكتيبة وشباب كانوا يساعدونهم في كل تفصيل.
بحسب الناسط “ع.س” خططت الكتيبة البطلة منذ أكثر من شهرين ونصف، وقاموا بحفر نفق تحت الأرض إلى أن وصلوا إلى القصور مقابل المطاحن، بهدف إدخال الطحين للجائعين، وبعد مراقبة المنطقة عدة أيام، قرروا ساعة الصفر وتجمعوا كلهم في النفق ليستطيعوا حمل أكبر قدر ممكن من الطحين، ولكنهم فوجئوا بمجموعة من الضباط والعساكر تسهر في هذه النقطة”، ويتابع “ع.س” أنهم بقوا عدة ساعات يراقبون واتفقوا على إرسال قناص ليحاول فتح الطريق لهم، ولكن الصدفة جعلت من عساكر النظام يرون القناص فور محاولته الخروج من النفق ويكشفون النفق، وتم قصف النفق وإطلاق النار بشكل شديد ومن ثم حصار المقاتلين من كل الجهات، ليقتلوا جميعاً ما عدا 3 واحد منهم الساروت، وليكون حياة 60 شاباً ثمناً لبعض أكياس طحين، وليكون ثمة 60 أما وربما 60 طفلا و60 زوجة الآن يوجهون الفقدان مع الجوع.
كتب الساروت قائد الكتيبة ليلة المجزرة التي أدمت حمص كلها: “عرس جماعي لـ 62 بطلاً نالوا الشهادة في ظروف لا تصدق، كانوا يحملون على أعناقهم هم 3000 نسمة في حمص المحاصرة، وكانوا آخر أمل لفك هذا الحصار اللعين، رحمكم الله يا أبطال، عذرا يا رجولتي لا أسطيع منع نفسي عن البكاء”.
ونعى على صفحته الرسمية استشهاد شقيقيه “أحمد” و”عبدالله” اللذين شاركا في معركة فك الحصار، بعد أن كان قد ودع شقيقين آخرين له “وليد” الذي استشهد أواخر عام 2011 و”محمد” الذي استشهد في مطلع عام 2013 بحسب ناشطين.
وجاء في بيان نشره ثوار حمص القديمة على صفحات التواصل الاجتماعي “تنعي لكم حمص المحاصرة أكثر من ستين مجاهداً من خيرة شباب الأمة, قضوا في يوم واحد وفي عملية عسكرية كان هدفها فك قيد حصار عمره أكثر من عام ونصف, ورغم قلة العديد والعتاد, وضيق ذات اليد أبى مجاهدو حمص إلا أن يسطروا أروع البطولات حين قدموا أرواح شبابهم رخيصة, حتى يطعموا طفلاً جائعاً, وينقذوا عجوزاً مريضاً ويفكوا حصارا لمصاب أعيت حالته مشافي الحصار الميدانية ذات الإمكانيات الضعيفة”.
يذكر أن أحياء حمص المحاصرة أكثر من 13 حيا من ضمنها المدينة القديمة بالكامل, وفي هذه المناطق أكثر من 4000 مدني بالإضافة إلى ثوار مدنيين ومقاتلين غير معروفي العدد, ولم تنجح خلال الـ600 يوم السابقة أي من مؤسسات المجتمع الدولي أو المؤسسات المحلية بإدخال المواد الطبية أو الإغاثية لتلك المناطق, باستثناء مرة واحدة قبل عام وشهرين تقريباً دخل فيها الصليب الأحمر الدولي 250 حصة إغاثية تكفي 250 أسرة لبضعة أيام فقط.
حسبنا الله ونعم الوكيل بالقاتل بشار ونصر الشيطان ..يا عزيز يا جبار تنتقم منهم وتزلزل الأرض من تحتهم .أن شاء الله يشوفوا أحبائهم هيك متل هالشباب اللي قتلوهم وتبرد قلبنا فيهم يا الله …نكبوا حمص ودمروها هالقتلة المجرمين ….الله يرحم الشباب اللي استشهدوا ويتقبلهم عنده من الشهداء وتصبر أهلهم ..ربنا يكون معكم يا أهل حمص الباسلة البطلة ويفرجها من عنده عليكم وعلى كل الشام ويدمر بشار وجيشه وكل الكلاب اللي دخلهم على بلادنا يحاربوا معه …محاصرها ومجوع أهلها وعم يقتل كبيرها وصغيرها وقويها وضعيفها يا رب يروح نشوف قتله عن قريب ..اللهم أمين