تداولت مجموعات إخبارية على تطبيق “واتس آب” قريبة من حزب الله عن سماع دوي انفجارات ضخمة في بلدة جرمانا في ريف دمشق بعد دقائق قليلة من حصولها، ووصفتها بأنها لا تشبه عمليات القصف التي تقوم بها الفصائل المسلحة، بل تعتبر ضخمة لشدة الانفجارات وحجم التدمير الذي رافقها.
الخبر الأول الذي بثته هذه المجموعات الإخبارية، ركز على تضارب المعلومات “عن مصدر القصف الصاروخي” الذي طال مدينة جرمانا وأدى إلى انهيار مبنى سكني بشكل كامل”، مضيفة أن نوعية الصواريخ وحجم الدمار “أشبه بنوعية الصواريخ الإسرائيلية”، من حيث القوة التدميرية.
وتناقلت هذه المواقع والمجموعات سيناريوهات عن العملية التي أكدت أنها إسرائيلية، ولعل أبرزها هو السيناريو الذي يتحدث عن “تحليق طائرتين حربيتين إسرائيليين فوق مناطق الجولان المحتل، وأنها عمدت ومن داخل الأجواء الإسرائيلية إلى إطلاق أربعة (4) صواريخ موجهة ودقيقة التسديد إلى المبنى المستهدف.
هذه الرواية التي روج لها حزب الله ومناصروه، تغمز من قناة الغطاء الجوي الروسي ومنظومة صواريخ أس 400 الموجودة في قاعدة حميميم الجوية في مدينة اللاذقية والقادرة على تأمين غطاء جوي يسمح لها باكتشاف الطائرات الإسرائيلية وهي في أجواء تل أبيب، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة عن أهداف التنسيق الروسي الإسرائيلي في الأجواء السورية، وإمكانية أن تكون موسكو قد تركت حلفاء النظام، خاصة حزب الله مكشوفين أمام الاستهدافات الإسرائيلية.
الإشارة الأولى إلى إمكانية وجود “سمير القنطار” في المبنى المستهدف صدرت عن هذه المجموعات، ظهرت في حوالي الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، أي بعد نحو ثلاث ساعات من وقوع الهجوم، عندما تحدثت عن استهداف إسرائيلي لمقر اللواء 90 السوري في جرمانا، وأن المعلومات الأولية تؤكد حسب هذه المجموعات أن المبنى المستهدف كان “يتردد عليه سمير القنطار” وأن وجوده في المبنى المستهدف “لم يتم التحقق منه من أي مصدر رسمي”.
ونشرت هذه المجموعات لائحة باسم القتلى والجرحى الذين سقطوا جراء عملية القصف للمبنى في جرمانا، وهم حسب ما وصفتهم، قائد في المقاومة السورية فرحان الشعلان من قرية عين قنية في الجولان المحتل، إلى جانب تيسير النعسوـ أما الجرحى فهم محمود العقيدي، وفاتن غزال، ونهاد إسماعيل، ماجد الهواري، ومصطفى الزيات، ورجاء هزيمة.
التأكيد الأول لخبر مقتل القنطار أوردته مجموعات “الواتس اب” هذه، كان في الساعة الثالثة وعشر دقائق فجرا، وقالت إن القنطار هو من بين القتلى الذين سقطوا جراء استهداف مبنى في حي الحمصي في مدينة جرمانا في ريف دمشق. أما الخبر الرسمي لمقتل القنطار فقد خرج بعد الساعة السادسة صباحا بعد سحب جثته من تحت الأنقاض، ليعود شقيقه بسام القنطار إلى نعيه رسميا على حسابه على موقع تويتر في الساعة السابعة صباحا.
رأي أصدقاء سمير القنطار
أحمد إسماعيل، الذي زامل القنطار في زنزانة واحدة داخل السجون الإسرائيلية لمدة تصل إلى عشر سنوات، قال في أول تعليق له على خبر مقتل رفيقه على صفحته على موقع “فيسبوك”:” “كان رفيقا كان صديقا كان زميلا في زنازين العدو وساحات السجون .. أذكر اللقاء الأول به في سجن نفحة حين قال أنت أول لبناني ألتقي به منذ تم أسري .. سمير هنا لم نتحدث ربما كانت الحرية هنا كانت أضيق اختلفنا تشاجرنا بالرأي ..وقاطعتني كما أريد لك… استشهدت سمير لن أتذكر فيك سوى سمير البطل سمير المناضل كما عهدتك في السجون… …ألف تحية لروحك رفيقي….سمير…”، على حد قول الكاتب.
لكن إسماعيل تصاعد لديه شعور رفض تورط القنطار في الأزمة السورية، خاصة من رفيق نضاله ليقول بعدها “سمير القنطار الصديق الرفيق لفترة 10سنوات داخل الزنزانة .. أدرك كل شي أعرف كل تفاصيل حياته وكل رسومات وجهه ونقاوة قلبه، كنا نتحدث كل يوم حتى أثناء نومنا نحلم بأجمل الأشياء.. لم أتفاجأ في خبر رحيله لكن ما يحز بقلبي ويحزنني، رحل في أحضان الحرية وكان ممنوعا عليه أن يفعل ما يريد… آسف سمير حين رفضت مقابلتك سرا… لنجدد العلاقة ..لأجل المصالحة أردتها علنا وكما قلت لك صديقي الحر والحرية أغلى ما أملكها لم نخجل من تاريخنا من نضالنا لنلتقي سرا في وطننا ونحن التقينا علنا في سجون العدو الصهيوني… كان هذا آخر حديث …”.
إسماعيل الحزين على خسارة صديقه يعلن أن من قتل سمير هو “العدو الصهيوني + النظام السوري والحلفاء”.
القنطار والدور السوري
وكشفت تطورات الأزمة السورية وانغماس حزب الله في هذه الأزمة، خاصة ما يتعلق بأبعاد انتشاره في الشريط الحدودي على طول المناطق السورية المحتلة في الجولان، أن الهدف منها كان العمل على تأسيس خلايا “مقاومة شعبية” تحت إشرافه من أبناء منطقة الجولان والقنيطرة والسويداء من الدروز وغيرهم، ليكونوا أساس مشروع مكمل لنشاط حزب الله يهدد اتفاقية الهدنة بين سوريا وإسرائيل في هذه المناطق، واستخدامها كورقة ضغط ونافذة لاستمرار قواعد الاشتباك مع الإسرائيليين بعد إدراك صعوبة استمرار ذلك من لبنان عقب القرار الدولي رقم 1701 عام 2006.
الجهود التي بذلها حزب الله لتأسيس خلايا لـ”المقاومة السورية” ضد الإسرائيلي في الجولان، كانت بمواكبة ودعم وإشراف من ضباط الحرس الثوري الإيراني، وأن ما حدث قبل أشهر من استهداف قافلة لحزب الله من قبل الإسرائيليين، وأدت إلى مقتل جهاد مغنية ومحمد عيسى والجنرال الإيراني خدا دادي، كانت تصب في إطار التصدي الإسرائيلي لهذه الجهود، وضربة استباقية كان من المفترض أن يكون من بين المستهدفين فيها سمير القنطار نفسه، الذي أسندت له مهمة الإشراف والمتابعة لهذه التشكيلات والتواصل مع أبناء الطائفة الدرزية، فضلا عن تقديم المساعدة لقوات النظام وضمان عدم دخول الطائفة الدرزية في إطار القوى المعارضة للنظام.
وتشير أوساط متابعة أن نشاط سمير القنطار المكلف من حزب الله وإيران به، كان في كثير من محطاته في خدمة النظام لإيصال رسائل إلى المجتمع الدولي حول مستقبل المناطق الحدودية في حال سقط النظام، إضافة إلى أن النظام مارس قمعا ومنعا ضد منافسي حزب الله والقنطار خاصة، وئاب وهاب، الذي حاول الدخول على خط الاستحواذ على القرار الدرزي في سوريا ليفرض نفسه شريكا لحزب الله مع النظام السوري. وانتهت هذه الجهود التي بذلها وهاب إلى منع دخوله إلى سوريا وإقفال مكاتب حزبه في المناطق السورية، واستمر المنع حتى أعاد وهاب تقديم ضمانات بعدم التدخل في هذا المشروع أو التأثير عليه.
محاولات سابقة لتصفيته
ولم يخف سمير القنطار دوره في العلاقات التي يقوم بها في سوريا بين حزب الله والطائفة الدرزية، فضلا عن بعض “الاستعراض” عن دوره في تأسيس المقاومة في سورية، خاصة تبنيه لعملية إطلاق 7 صواريخ ضد مواقع إسرائيلية داخل الجولان المحتل، واعترفت اسرائيل بسقوط أربعة منها، استهدف واحد منها موقع الرصد في جبل الشيخ.
والوصول إلى القنطار، من المفترض أن يكون صعبا، خاصة أن الإجراءات الأمنية المرافقة لتحركاته هي نفس الإجراءات التي يخضع لها قادة ومسؤولو حزب الله، فضلا عن ضرورة تشديدها بعد اكتشاف أكثر من محاولة إسرائيلية لقتله في الأشهر الأخيرة.
هذه الإجراءات المشددة، لا يكمن أن تخرق إلا من أحد طرفين، إما من الدائرة المحيطة به مباشرة وهي تعلم بحركته وتوقيت تنقلاته وأماكن إقامته، وإما من الأجهزة الأمنية التي يقوم بالتنسيق معها داخل سوريا. وبالتالي فإن خرقا أمنيا قد حدث وسمح للإسرائيليين بالوصول إليه، وهي عملية تطرح الكثير من الأسئلة حول قدرة إسرائيل على الوصول إلى الدائرة الضيقة حول سمير القنطار، أو أن النظام دخل في صفقة مع الإسرائيليين بعد القرار الدولي لرفع مستوى الاطمئنان لدى تل أبيب وتقديم فاتورة قد يستخدمها لمساعدته في تعزيز حظوظ بقائه في السلطة.