يتعرض الدكتور محمد البرادعي لعاصفة من الإنتقادات من حلفائه في التيار الليبرالي والثوري في مصر، ومن فلول النظام السابق، وبعض الإعلاميين المعروفين بولائهم للأجهزة الأمنية لاسيما جهاز أمن الدولة المنحل، بعد تقديم استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية الموقت للشؤون الخارجية. وانطلقت دعوات لمحاكمته بتهم عدة منها التخابر، فيما ينظر القضاء دعوى تطالب بسحب الجنسية المصرية منه في 22 آب (أغسطس) الجاري. وحصلت “إيلاف” على معلومات موثوقة، تفيد بأن إستقالة البرادعي جاءت بعد توتر شديد في العلاقة بينه وبين الفريق أول عبد الفتاح السيسي، بسبب إعلان الأول عما وصفه بـ”الصفقة الكبرى” للإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي، مشيرة إلى أن البرادعي هدد بالإستقالة أثناء إجتماع لمجلس الأمن الوطني، وتعرض للّوم من السيسي.
رسالة الاستقالة
جاءت إستقالة البرادعي بمثابة ضربة موجهة لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي، ما يضعه في مأزق شديد أمام المجتمع الدولي، لاسيما أن الإستقالة جاءت احتجاجًا على فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول محمد مرسي بالقوة، ما أدى إلى سقوط مئات القتلى وآلاف المصابين في الجانبين. وأعلن البرادعي إستقالته عبر مكتبه الإعلامي، وليس عبر رئاسة الجمهورية. وقد أرسل مكتبه الاعلامي ثلاث نسخ بريدية من الإستقالة لـ “إيلاف”، أثنتين وصلتا من مكتبه الإعلامي والثالثة من بريد إلكتروني آخر، ولم يعتد الصحافيون استلام أخبار البرادعي منه شخصيًا. واعتبرت بعض الدوائر السياسية أن إستقالة البرادعي إعلامية وليست رسمية، مشيرة إلى أن أي بيان لم يصدر عن الرئاسة. وقال البرادعي في نص الإستقالة التي أرسلها للرئيس الموقت: “أتقدم إليكم باستقالتي من منصب نائب رئيس الجمهورية، داعيا الله عز وجل أن يحفظ مصرنا العزيزة من كل سوء، وأن يحقق آمال هذا الشعب وتطلعاته ويحافظ على مكتسبات ثورته المجيدة في 25 يناير 2011، والتي أكدها بصيحته المدوية في 30 يونيو2013، وهي المكتسبات التي بذل من أجلها التضحيات الجسام من أجل بناء وطن يعيش فيه الجميع متمتعين بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد والتوافق المجتمع والمساواة التامة بين جميع المواطنين، من دون تفرقة أو إقصاء أو تمييز”. وأكد البرادعي في نص استقالته أنه كان يرى أن هناك بدائل سلمية لفض الإعتصام، وقال: “كنت أرى أن هناك بدائل سلمية لفض هذا الاشتباك المجتمعي، وكانت هناك حلول مطروحة، ومقبولة لبدايات تقودنا إلى التوافق الوطني، لكن الأمور سارت إلى ما سارت إليه، ومن واقع التجارب المماثلة فإن المصالحة ستأتي في النهاية، لكن بعد تكبدنا ثمنا غاليا كان من الممكن في رأيي تجنبه”. ولفت إلى أنه صعبًا عليه أن يستمر في حمل مسؤولية قرارات لا يتفق معها ويخشى عواقبها، “ولا أستطيع تحمل مسؤولية قطرة واحدة من الدماء أمام الله ثم أمام ضميري ومواطني خاصة مع إيماني بأنه كان يمكن تجنب إراقتها، وللأسف فإن المستفيدين مما حدث اليوم هم دعاة العنف والإرهاب والجماعات الأشد تطرفا وستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري إلى الله”.
الصفقة الكبرى
وكانت قيادة الجيش غاضبة جدًا من البرادعي، ولم تكن راضية عن أدائه في المهمة الموكلة إليه، لاسيما في ما يخص التواصل مع العالم الخارجي، وخصوصًا الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية. وبحسب المعلومات، تعرض البرادعي للعتاب واللوم الشديد من قيادات عليا في الجيش، بسبب إعلانه ما يسمى بالصفقة الكبرى للإفراج عن الرئيس المعزول محمد مرسي وقيادات الإخوان المسلمين، ولاسيما خيرت الشاطر، من أجل التفاوض مع الدولة لإخلاء الميادين من المعتصمين، مشيرة إلى أن البرادعي لم يستشر الرئيس الموقت عدلي منصور، أو السيسي قبل إعلان مبادرته في صحيفة واشنطن بوست الأميركية. وأضافت المعلومات أن قيادات الجيش والمخابرات تعتبر أن البرادعي ساهم بطريقة مباشرة في التدخل الأميركي والأوروبي في الشؤون المصرية الداخلية، وساهم بشكل غير مباشر في استقواء الإخوان بالخارج، ومنحهم بعضًا من القوة في مواجهة الدولة، ما أدى إلى تأخر فض إعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة. ولفتت المعلومات إلى أن البرادعي هدد بالإستقالة عقب تعرضه للوم، أو عدم الإستجابة لمبادرته من السلطات المصرية، وتدخلت أطراف عديدة من المقربين إليه من أجل إثنائه عنها، ومنهم صديق له إعلامي شهير يتصل بعلاقات جيدة مع قيادات الجيش أيضًا. ونبهت المصادر إلى أن العلاقات متوترة لغاية بين السيسي والبرادعي حتى الآن. وكشفت المعلومات قبل يومين من فض إعتصام رابعة العدوية أن البرادعي قد يتعرض للمحاكمة، وتمارس ضغوط عليه من أجل العودة للإقامة في الخارج مرة أخرى، مشيرةً إلى جهات معينة أعطت إشارة الهجوم ضده لإعلامي شهير معروف بقربة من المؤسسة العسكرية.
تصفية سياسية
ودشن إعلاميون معروفون بولائهم للأجهزة الأمنية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك حملة تشويه شديدة تهدف إلى تصفية البرادعي سياسيًا، بعد إعلانه عن الصفقة الكبرى للإفراج عن مرسي. ورأى محللون أن مسلسل حرق محمد البرادعي، أحد المشاركين في الانقلاب العسكري، في الإعلام المصري قد بدأ في ظل توجيه اتهامات خطيرة له من قبل إعلاميين مؤيدين للانقلاب العسكري. ورد مراقبون عملية تصفية البرادعي سياسيًا في هذا التوقيت إلى أنه قد استنفد الغرض منه بعد مساهمته في إسقاط نظام مبارك والقضاء على الإخوان. كما فشل في مهمة إقناع الغرب بأن ما حدث في مصر يوم 30 يونيو ثورة وليس انقلابًا، لكن يبدو أن البرادعي فشل حتى الآن في هذه المهمة. وبدأ الهجوم من قبل الإعلامي المثير للجدل توفيق عكاشة، عبر قناته الفراعين، الذي أتهم البرادعي بالتخابر مع إسرائيل من داخل القصر الجمهوري، ووصفه بأنه مندوب أميركا والماسونية في قصر الرئاسة. وشن الإعلامي عمرو أديب هجومًا عبر برنامجه اليومي “القاهرة والناس” على قناة أوربيت، وقال له: “أرجع أوروبا أو أقعد في حتة ناشفة”. كما تعرض لهجوم شديد من النائب السابق مصطفى بكري، المعروف بقربة من المؤسسة العسكرية. ووصفه بأنه من العملاء والخونة. وقال بكري: “البرادعي لا يهمه أمن مصر، وهو يرعى مصالح الأميركيين في المنطقة، وموقفه لا يختلف عن موقف الأعداء، فليذهبوا جميعًا إلى الجحيم، فالشعب والجيش والشرطة والقضاء لن يهزموا ولن يتسامحوا مع عملاء أميركا ولا مع الخونة الذين يبيعوننا في الأزمات”. وثم تعرض البرادعي لهجوم شديد من قبل الإعلامي أحمد موسى، المعروف بقربة من جهاز أمن الدولة المنحل، كما لم يسلم من هجوم مرتضى منصور. ودعا الكاتب الصحافي الشهير عادل حمودة إلى التحقيق الجنائي في ما ارتكبه البرادعي، مشيرًا إلى أنه طلب زيادة حراسته وزيادة مرتبه وتوفير ظروف أفضل للعمل، ومطالبة كاثرين آشتون، ممثلة الاتحاد الأوروبى، بزيارة مصر. وأضاف حمودة في مداخلة تلفزيونية أن البرادعي سرب معلومات إلى جون ماكين، عضو مجلس الشيوخ الأميركي الجمهوري، بأن قوات الأمن لا تستطيع فض اعتصامات الإخوان المسلمين، متهمًا إياها بأنه من دفع البلاد للموقف الذي وصلت له وتصرفاته ودعواته للخارج هي التي أدت إلى استقواء الإخوان، “ولم نسمع كلمة قلق منه لما يحدث لجنودنا وضباطنا في سيناء”.
لسحب الجنسية منه
وإنقلب حلفاء البرادعي ضده، وساهموا في تصفيته سياسيًا، ومنهم جبهة الإنقاذ الوطني التي أسسها البرادعي وساهمت في اسقاط حكم مرسي، وجبهة 30 يونيو. لكن الأخطر كان إنقلاب الروائي جمال الغيطاني عليه، رغم أنه كان أحد المقربين منه، وهو قال ذات يوم: “البرادعي هو سعد زغلول القرن الحادي والعشرين”، وكان يتمنى أن يعيش حتى يراه رئيسًا لمصر، إلا أن الغيطاني دعا إلى التحقيق مع البرادعي، وتقديمه للمحاكمة.
وجاءت الإستقالة لتنهي أسطورة البرادعي، وتمنح معارضيه السكين لذبحه من الوريد للوريد. واتهمه البعض بأنه عميل لأميركا، وقال الخبير السياسي محمد البحيري إن استقالة البرادعي بعد 5 دقائق من بيان البيت الابيض مؤشر على أن البرادعي يتبع أميركا وليس مصر. وأضاف: “على رأي الناس اللي فاكرة التاريخ كويس، يا ترى يا برادعي ما استقلتش ليه من الوكالة الدولية للطاقة الذرية لما اميركا ضربت العراق؟ مع أن كان فيه وسائل سلمية برضه للتعامل مع العراق! طبعًا انا ما جبتش سيرة اكاذيب الاسلحة النووية التي كان يتم ترويجها كذبًا عن العراق، واتضح انها كلام فارغ، والفضائح بعد كده معروفة! وتابع البحيري: “انا شخصيًا مش مستغرب، لأني كنت اراك دومًا مسؤول تشريفات، ولم أرك يومًا رجل دولة، فإدارة الدول تحتاج للرجال فقط!”
ومن المقرر أن تنظر محكمة القضاء الإداري دعوى قضائية برقم 672 لسنة 64 قضائية بإسقاط الجنسية المصرية عن الدكتور محمد البرادعي إداريًا إلى 22 آب (أغسطس) . وقررت المحكمة الخميس 15 آب (أغسطس) تأجيل الدعوى إداريًا بسبب الإضطرابات الأمنية.
من جهته، وصف حزب الدستور الذي يترأسه البرادعي الحملة ضده بأنها مسعورة، متهمًا النظام القديم بالوقوف وراءها. وقال في بيان له: “الحزب يدرك أن الهدف من وراء هذه الحملة التشويهية، التي لا يراد بها شخص الدكتور البرادعي فقط إنما كل مكتسبات ثورة 25 يناير، محاولة من النظام القديم للقفز على الموجة الثالثة من موجات ثورة يناير المجيدة، والتي أطلقتها جموع الشعب المصري في 30 يونيو”.
وأضاف أن الشعب المصري لن يسمح بالعودة إلى الوراء، وسيدفع بكل جهده نحو تطبيق خارطة الطريق، التي ارتضاها في 3 يوليو 2013.
كل ده عشان موافقهمش على قتل المصريين