لا يزال السوريون يجسدون ما يطلق عليه “فن البقاء”، ولعل سكان دوما في ريف دمشق الذين حولوا بقايا القذائف والصواريخ والفوارغ إلى أدوات تساعد على الحياة، يقدمون ما هو أكثر من تحدي الموت.
ومن يعتقد أن من استطاع أن يصنع سيفاً يده من المعدن، وعكازا لرجل عجوز من طلقات الشيلكا، ومضاد الطيران، يمكن أن يهزم بسهولة فهو بالتأكيد مخطئ.
يقول بعض السوريين: “اللي ماتوا ارتاحوا”، وإن كانت الجملة من القسوة، بحيث إنها تهدد إنسانية شعب، فإن من بقي على قيد الحياة يحاول أن يعيش بالقدر أدنى من شروط الحياة، وليستطيع ذلك عليه أن يستفيد حتى من الفوارغ لتصنيع آلات إيقاعية، وما يجعل المتفرج مذهولاً هو طريقة ذلك الشاب الذي يعلن عن المواد الأولية التي استخدمها ليصنع تلك الآلات الموسيقية، تلك الطريقة الساخرة الواثقة، وليبدو فخوراً وسعيداً عندما عرض عن المدفأة التي اخترعها من بقايا القذائف بعد أن اضطر السوريون إلى إحراق كل ما يمكن أن يدفئهم في ظل غياب شروط الحياة الضرورية في بلادهم.
هل يحسد الأحياء الأموات في سوريا، ربما يبقى سؤال كهذا برسم أولئك الأحياء.
نجح النظام السوري في تدمير مدن بأكملها، ولكنه من حيث لا يدري جمع السوريين تحت كلمة “حرية”، ليفجر طاقات إبداعية تنافست بين المدن السورية، وربما تكون ثورة السوريين الدليل الأكبر على أن الحرية تفجر الإبداع.