يدعم أبرز الليبراليين في مصر الآن الحكومة المسنودة من الجيش بما نشهد معه عودة لنظام استبدادي بعد إطاحة مبارك. ومنذ عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز، وجدت القلة التي مازالت متمسكة بمبادئ اللبرالية الأساسية نفسها مهمشة مع تبديد آمال ثورة 2011.
وبرر الكثير ممن أعلنوا أنفسهم ليبراليين وملأوا شوارع القاهرة في 30 يونيو/حزيران مطالبين مرسي بالاستقالة مطالبهم ساعتها باقتناعهم بغياب الديمقراطية ونظام سياسي معطوب، فقد استخدم مرسي النصر الانتخابي ممرا دون عراقيل في رأيه لتعزيز نظام حكم شمولي يمنع عن شعبه حقوقه الأساسية وغض الطرف عن العنف الطائفي ومنح الأولوية لأجندا إسلامية فئوية على حساب الحاجات الأساسية للشعب المصري.
ورغم أن هؤلاء اللبراليين أنفسهم أسبغوا على ثورتهم صفة الديمقراطية، إلا أن جزءا مهما منهم دعموا القرارات متنامية الاستبداد التي تتخذها الحكومة الانتقالية التي أعقبت مطالباتهم ونزولهم إلى الشوارع.
ولا تستهدف تلك القرارات تنظيم الإخوان المسلمين فحسب بل تتجاوزه إلى عدة أطراف في المجتمع المصري من ضمنها الصحفيون والناشطون الذين وجدوا أنفسهم معتقلين والبرامج الساخرة (مصر: البرادعي يحيي باسم يوسف) التي تم إيقافها من قبل القنوات الخاصة إضافة إلى اقتراح لجنة إعداد الدستور مشاريع قوانين الهدف من ورائها الحد من حرية التعبير وعمليات المجتمع المدني.
أما القوات المسلحة التي تقف وراء تلك الأحداث، فقد غيّرت تعهدها بالإخلاص للرئيس المنتخب وباتت ترغب في الحصول على حصانة لكبار قادتها. وهو ما وجد قبولا لدى فئة واضحة من اللبراليين عبروا عنه صراحة في عدة مناسبات.
ولعل أعلى الأصوات جاءت من أفواه قادة جبهة الإنقاذ الوطني التي تتشكل من عدة أحزاب معارضة وشخصيات سياسية من ضمنها الوزير السابق والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى الذي يرأس لجنة إعداد الدستور الآن في مسعى لإعداد أرضية تضمن حكما مدعوما من الجيش وتضمن أيضا الحد الأدنى من الحريات المدنية. أما زعيم حزب الوفد سيد البدوي فقد أعلن صراحة في الآونة الأخيرة أن الجبهة تدعم الجنرال عبد الفتاح السيسي رئيسا للبلاد.
كما أن غالبية قادة الجبهة دعموا الحملة التي نفذها الجيش لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة والتي أدت إلى مقتل مئات. كما أنهم امتنعوا عن إدانة حكم قضائي بحظر تنظيم الإخوان ونص دستوري محتمل يضمن الحصانة للجيش.
فما الذي يدفع مثل هؤلاء القادة إلى مثل هذه المواقف؟
يكمن الجواب في الناخبين حيث أن اليلبراليين فشلوا في طرح ما يتوافق مع آراء المصوتين ناهيك أن ثلي الأصوات في جميع الانتخابات ذهبت إلى الإسلام السياسي. لذلك فقد لجأ عمرو موسى الذي حصل 11 بالمائة في الانتخابات الرئاسية وحمدين صباحي الذي حصل 20 بالمائة إلى سياسة جديدة: “إذا لم تقو على هزمهم، امنعهم إذن.”
لقد أثبتت الأحداث التي أعقبت 30 يونيو/حزيران، أن مصر تحولت إلى مكان لا يمكن العمل فيه بالنسبة إلى بضعة مواطنين مازالوا مؤمنين بالأهداف الأصيلة لليبرالية. وحتى الأصوات المعزولة منهم وأبرزهم محمد البرادعي وعمرو حمزاوي المنتقدين لتلك القرارات فقد وجدا نفسيهما في مرمى نيران صديقة من ليبراليين يخدمون حكومة الجيش، ومن ضمنهم حزب البرادعي نفسه الذي رفع قضية ضده.
وآخر تلك الهجمات استهدفت الحمزاوي بسبب مقاله الذي نشره على أعمدة صحيفة “الشروق” قبل يومين، والذي انتقد فيه بقوة رفاقه الليبراليين، واعتبرته على علاقة بالإخوان المسلمين والولايات المتحدة، وهو ما دفعه إلى الردّ بكون النظام الحالي يعمل على إسكات كل الأصوات الديمقراطية في البلاد.
ومن دو شكّ فإنّ مصرا تعمل من أجل الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية لا يمكنها أن توجد من دون مجتمع تعددي وديمقراطية شاملة وهي مبادئ تكافح من أجل الاستمرار في أذهان قلة لا تملك أي قوة.
بقلم محمد المنشاوي(محلل مصري) وعمرو قطب(باحث مصري) وكلاهما يقيم في واشنطن.