يرددون عن سكان أميركا الأصليين حكاية قصيرة: مرة اندلع حريق عظيم في الغابة، فدبت الحيوانات وهبت الطيور مذعورة للهرب، إلا واحدا مضى إلى نهر قريب ليلتقط قطرة بمنقاره.. ضحكت منه الطيور وسألته: “ماذا تفعل يا أصغر العصافير”؟ فأجابهم: أفعل ما باستطاعتي لأطفئ الحريق”.
وفي مخيم الزعتري المكتظ في الأردن بأكثر من 100 ألف لاجئ سوري، حريق شبيه يعلّ في طفلة سورية عمرها 10 سنوات، ومختلفة بعض الشيء عن سواها، ففي رأسها رصاصة اخترقت جمجمتها منذ بداية الثورة على النظام، لكن أحدا لم يشمّر عن ساعديه حتى الآن ليفعل بشأنها ما يستطيع.
الخبر الوحيد الذي وجدته “العربية.نت” عنها، ورد في 16 مايو/أيار 2011 في صفحة “حركة أحرار السويداء” بموقع “فيسبوك” التواصلي، وتكرر مختصرا بعدها بقليل في “تويتر” عبر 8 تغريدات، أي يوم أصابتها الرصاصة التي يعتقدون أنها من شبيح، لأن قوات النظام سيطرت ببداية ذلك الشهر على جاسم، وجثمت عليها كما الاحتلال طوال عامين، حتى حررها “الجيش الحر” في فبراير/ شباط الماضي.
كتبوا في الخبر: “تم قنص طفلة عمرها ٥ سنوات في مدينة جاسم. اسمها سندس الحارون، من الحارة الشمالية، ورصاصة الغدر جاءت برأسها ولكن جانبية، لم تمت ولكن حالتها خطيرة وتم تحويلها للشام” أي إلى دمشق البعيدة 55 كيلومتر تقريبا عن جاسم التابعة لمحافظة درعا في الجنوب.
رصاصة طاب لها المقام
وأخطأوا في الخبر بعامين، لأن سندس كان عمرها 7 سنوات تقريبا يوم كانت في شرفة البيت حين اخترقت جمجمتها الرصاصة التي تبدو واضحة في صورة أشعة تنشرها “العربية.نت” عن موقع “ديلي بيست” الإخباري، وفيه كتب الصحافي من الموقع موضوعا عن سندس استمد بعض معلوماته من تقرير لمفوضية اللاجئين عن أطفال سوريين مرضى في “مخيم الزعتري” بالأردن، وتضمن الصورة بالأشعة.
المفوضية أصدرت أيضا تقريرا آخر بعنوان The Future Of Syria تضمن في فقرة Scarred صورة لسندس، تنشرها “العربية.نت” أيضا، مع معلومات أوردتها الوكالة تحت الصورة، وجاءت غير دقيقة، ومنها أن الرصاصة أصابتها في يونيو/حزيران 2011 بينما الإصابة كانت قبلها بشهر، والدليل هو تاريخ التغريدات بشأنها في “تويتر” وغيره.
وحاولت “العربية.نت” العثور أمس الأحد على سندس الحارون لتتحدث اليها، أو الى عائلتها، فاتصلت باثنين من العاملين في منظمة “أطباء بلا حدود” الواقع مقرها في أحد طوابق “مستشفى الهلال الأحمر الأردني” بعمان، ممن يشرف معظمهم صحيا على اللاجئين في المخيم الشهير، فأكدا عدم معرفتهما بها، ولا بالرصاصة التي طاب لها المقام في جمجمتها الصغيرة.
الشيء نفسه أخبر به موظف في المستشفى أيضا، مقترحا “الاتصال بالجهة الوحيدة” العالمة بسندس للعثور عليها، وهي “مفوضية الأمم المتحدة للاجئين” التي أصدرت قبل أيام تقريرا عن السوريين في “الزعتري” وخصوصا الأطفال، لكن الاتصال بفرعها في عمان كان صعبا جدا، ولا مجال إلا شخصيا.
بعد الرصاصة نوبات شبيهة بالصرع
من المعلومات عن سندس، التي تعرضت بعد 5 أشهر أيضا لكسر بساقها من شظايا صاروخ سقط على بيت جيرانهم في جاسم، أن الرصاصة اخترقت جمجمتها ثم ارتدت من الجزء الخلفي واستقرت فيه، محدثة بالصدغ الأيسر ثقبا بحجم فلتر سيجارة، وقريب ملليمترات من قشرة الدماغ، لكنهم حين حملوها إلى مستشفى دمشقي عالجها أطباؤه بمضادات للالتهاب فقط، ثم تركوها تواجه مصيرها.
بعد مدة “حدثت معها نوبات شبيهة بأعراض الصرع” ولم يتم علاجها منها أيضا، وعندما ساءت الحال غادرت في يونيو/حزيران الماضي لاجئة الى الأردن مع أبويها وأختها وشقيقيها، فتم ايواءهم في خيمة بعرض 2.8 وطول 4.8 أمتار، وفيها تمضي سندس الحارون الوقت برفقة ذكرياتها في البيت بجاسم.
أما والدتها، واسمها ميرفت، فكتبوا أنها لا تجد لابنتها من علاج سوى ما تيسر من آيات القرآن لتتلوها على مسامع الطفلة التي لا تغادر الا الى صف دراسي تتعلم فيه الانجليزية بالمخيم، مع أنها من الأسوأ نفسيا وجسديا في “الزعتري” اللاجئ فيه أكثر من 3 آلاف من جاسم الشهيرة بأنها أول أسرع لنجدة درعا حين ثارت على النظام، وحتى الآن قدمت 71 قتيلا من أبنائها.