عندما قرر الشاب العشريني، صلاح صادق، الذهاب إلى حلب للمشاركة في حفل سيقام للأطفال بمناسبة ليلة رأس السنة هو والعديد من الناشطين من عدة مدن سورية، لم يعلم أنه سيعود محمولاً على الأكتاف بعد أن ذهب ليحمل الأطفال على أكتافه.
حمل صلاح هداياه برفقة ثلاثة من أصدقائه، متوجهاً إلى حلب الشهباء، بالاتفاق مع بعض الناشطين في الإغاثة كي يشاركوا في الترويح عن أطفال روّعتهم الحرب، ودمرت نفسياتهم، كان الأطفال في مخيم “هنانو” للاجئين السوريين الواقع على الحدود السورية التركية بانتظارهم، مترقبين أن يرسموا ابتسامة افتقدوها على وجوههم البريئة وليس لهم ذنب إلا أنهم ولدوا في سوريا ليعاصروا أشد مناظر القتل والترويع وحشية.
وصل صلاح وأصدقاؤه إلى المخيم، واحتفل بقدوم العام الجديد، وبعد توزيع الهدايا والألعاب على الأطفال، قرر الأصحاب العودة دون أن يلتفتوا لمفاجآت قد تظهر فجأة في طريق محفوف بالمخاطر، وغير عابئين بما قد يواجهونه من ملاحقة عناصر الأمن إذا ما علموا بذهابهم إلى المناطق المحرمة.
أثناء العودة تم قصفهم على طريق الباب في حلب بقذيفة صاروخية سقطت بجانبهم حوالي الساعة الثالثة ظهراً، فانتشرت شظاياها لتفتك بأجساد شابة تجاوز عددهم عشرة أشخاص، وكانت إصابة صلاح الأبلغ بين الإصابات، وتم إسعافه إلى مشفى ميداني في حلب بإمكانيات بسيطة، كان تشخيص الأطباء أنه بحاجة إلى عملية استئصال لكليته وجزء من الطحال. بدأوا بعملية خطيرة دون أدنى معايير طبية أو صحية، لا الوقت ولا المكان يسمح بالتأجيل، وسرعان ما توقف قلبه عن الخفقان أثناء العملية، إلا أن إصرار الطاقم الطبي على تحريض القلب بالصدمات الكهربائية أثمر عن عودة النبض إليه، وبعد انتهاء عملية استئصال الكلية تم وضعه في العناية المركزة.
استعاد صلاح وعيه وأخذ في الكلام مع أصحابه، إلا أن حالته سرعان ما تدهورت لقلة الإمكانيات الطبية في المشفى الميداني، وقرر الأطباء نقله إلى الجانب التركي، الأمر الذي تم باستخدام سيارة غير مجهزة لمثل هذه الحالات.
وعند وصولهم للحدود منعهم الجانب التركي من الدخول، متذرعاً بأن أي مصاب تمت معالجته في سوريا لا يمكنه الدخول، ومع تدهور حالة صلاح اضطرت منظمة أطباء بلا حدود إلى إسعافه في عياداتها الواقعة على الحدود، ومع أهمية الوقت في مثل هذه الحالات إلا أنه تم السماح لهم بإدخاله بعد حوالي ساعة ونصف من الانتظار الطويل باستخدام سيارة تفتقد كل التجهيزات، إلا أن القدر والألم لم يمهلاه ليفارق صلاح الحياة أثناء الطريق.
خال صلاح صادق: طلب زفة رحيل
ويقول المهندس وليد النبواني، وهو خال الشاب صلاح: “لقد أثر التأخير في إسعاف صلاح سلباً على حالته، وفارق الحياة، لقد كان فرحاً مبتهجاً عند ذهابه، ولم يكن خائفاً، وأوصاني بأن نشيعه بحفل زفاف في حال استشهاده، ولا تزال كلماته ترن في أذني: اعملوا لي زفة عريس ياخال إذا صار علي شيء لأن بتكون راحت علي الزفة”.
ولم يتم نقل صلاح إلى مدينته السويداء، وقرر أصدقاؤه دفنه في أسرع وقت، يقول النبواني خال صلاح: “لقد عانى أصدقاؤه الكثير ووضعوه في مشفى كلس ريثما يتم استخراج الأوراق الخاصة بوفاته، واضطر صديق له أن يعود أدراجه إلى غازي عنتاب للحصول على ورقة الطبيب الشرعي، وفي يوم الجمعة 3/1/2013 وصل الجثمان إلى سوريا، وتم بمساعدة الأهالي هناك بتأمين نقل الجثمان إلى مقبرة في قرية “أطمة” بريف إدلب، حيث تمت الصلاة عليه وتم تشييعه هناك”.
ويضيف النبواني: “لم ينته الحال عليه هناك، فقد حاول أهلنا في السويداء إقامة مأتم عزاء يليق به كشهيد، إلا أن الأمن كان لنا بالمرصاد، ولكن رغم الحصار الأمني على منزل الشهيد تجمع حوالي مئة من الأصدقاء والأهل، وحملوا صورة الشهيد وأغصان الزيتون تأكيداً على السلام، وفاجأنا الأمن بإطلاق الرصاص والقنابل المسيلة للدموع، وأحاط المنزل من كل جانب ولمدة أربع ساعات اعتقل على إثرها حوالي 14 من الأطفال والشباب المشاركين”.
ولد صلاح في السويداء، واستشهد في حلب، ووري الثرى في إدلب، وزفه أهله عريساً في مسقط رأسه، هي قصة تروي حال كل فرد في سوريا عانى من التشريد ولا يزال.