طالب المستشار مصطفى عبدالجليل، رئيس المجلس الانتقالي الليبي السابق، بعزل الشيخ الصادق الغرياني فوراً من دار الإفتاء الليبية، بسبب فقدانه شرطاً من شروط الأهلية، وهي فقدان ثقة الليبيين به، بحسب ما نص عليه قانون تعيين منصب المفتي.
وجاءت مطالبة عبدالجليل بعزل المفتي بعد فتوى الشيخ الصادق الغرياني، الأربعاء، والتي قال فيها إن عملية الكرامة هي لمكافحة الإسلام وليس لمكافحة الإرهاب، ودعا فيها لقتال الجيش.
علماء الأزهر: حفتر يدافع عن وطنه ونصرته واجبة
وفي سياق متصل، ندد كبار العلماء بالأزهر الشريف وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية في مصر بفتوى مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني، والتي أكد فيها أن من ينضم إلى اللواء خليفة حفتر ويموت معه يخشى أن يموت ميتة جاهلية، وكل من يقاتله ويموت فهو شهيد في سبيل الله.
وأضاف مفتي ليبيا: “نقول للناس الذين يقاتلون مع حفتر إنكم بغاة خارجون على طاعة ولي الأمر الواجبة طاعته شرعاً وخارج على الشرعية، وأنكم تقاتلون الناس ظلماً، وعلى الناس جميعاً أن يقاتلوكم بأمر الله سبحانه وتعالى لأنكم بغاة، والله تعالى يقول “فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله”.
واختتم قائلاً: “يجب على الناس جميعاً أن يقاوموه ولا يغتروا بمسألة مكافحة الإرهاب، لأن المراد بمكافحته هو مكافحة الإسلام، فهؤلاء لا يريدون الإسلام, بل يريدون أن ينقضوا على الإسلام”.
الفتوى بكل تفاصيلها لاقت استهجان وغضب علماء الأزهر وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية, وأكدوا عدم شرعيتها, رافضين مبدأ توظيف الدين لصالح السياسة, ومؤكدين أن مفتي ليبيا معروف بمواقفه المستميتة في الدفاع عن الإخوان المسلمين, وبالتالي فانحيازه لطرف دون آخر يجعل فتواه يغلب عليها الهوى, ويجردها من شموليتها الدينية والفقهية, محذرين من اتباعها.
الشيخ كريمة: حفتر يدافع عن بلاده
الشيخ أحمد كريمة، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أكد أن ما يقوله مفتي ليبيا لا يصح أن نطلق عليه كلمة “فتوى”، فما يقوله جهل وافتراء, بل إنه خلط للأمور, فالإسلام يجرم عمليات الحرابة والبغي والعدوان والإفساد في الأرض, وما تقوم به المجموعات التكفيرية والمسلحة في ليبيا يندرج تحت هذا البغي والعدوان, لذا ووفقاً لتعاليم الإسلام تجب مواجهة هؤلاء الذين يروعون المواطنين ويثيرون الرعب ويقتلون الناس على الهوية.
ويضيف أن اللواء خليفة حفتر تصدى لهؤلاء، وهذا واجب شرعي عليه وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يجبرنا على قتال المفسدين في الأرض, وطبقا للتقاليد العسكرية الوطنية التي تفرض على كل وطني غيور مخلص أن يدافع عن بلاده ويمنع الأذى عنها، ويعيد الأمن والانضباط والأمان لمواطنيه, وهذا ما يفعله حفتر، لذا أقول بكل ثقة وطمأنينة ويقين “إن فتوى مفتي ليبيا باطلة شرعاً, والعكس هو الصحيح، بمعنى أن من يقاتل مع حفتر ويموت فهو شهيد, ومن يقاتل مع التكفيريين والمسلحين ويموت فهو يموت في سبيل ترسيخ البغي والظلم والإفساد في الأرض وأمره عند ربه”.
سعاد صالح: أرفض تسييس الفتاوى
من جانبها، تؤكد د. سعاد صالح، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، على كلام الدكتور كريمة, وقالت إن الذي يقاتل في سبيل العقيدة والدفاع عن الوطن فهو شهيد, والذي يقاتل في سبيل حماية شعبه وبلاده فهو شهيد, وحفتر وقواته يقومان بالدفاع عن ليبيا وكرامتها وأمنها وأمن شعبها ضد فئة بغت وتجبرت وتكبرت وتريد السلطة بالقوة وعلى حساب إرادة شعب ليبيا, هنا ينطبق عليها قول الله تعالى “إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم”.. صدق الله العظيم.
وتضيف: “لذلك فجزاء الذين يروعون الليبيين ويسعون في أرض ليبيا فساداً ويرفعون السلاح في وجوه الجميع من أجل سلطة زائفة فقتاله واجب شرعي، أما ما يقوله مفتي ليبيا فهو يتنافى كلية مع الشريعة الإسلامية الغراء, ويرسخ لمبدأ مازلنا نعاني منه وهو تسييس الفتاوى وتوجيهها بما يخدم المصالح السياسية والدنيوية، وهذا هو الباطل بعينه”.
عوضين: فتوى الغرياني تهدر دم المسلمين
د. محمد نجيب عوضين، الأمين السابق لمجمع البحوث الإسلامية، يرفض فتوى الصادق الغرياني، ويرفض من الأساس إطلاق الفتاوى التي تؤجج الصراعات وتزيد من انقسام المسلمين وتفرق صفوفهم, ويقول: “كيف لعالم أو شيخ أن يدلي بفتوى تفرق ولا تجمع؟ تثير البغضاء وتمنع التسامح؟ تهدر دم المسلمين ولا تتدخل لحقنها؟ القرآن يأمرنا أن نعتصم بحبل الله جميعاً, والغرياني يطالب بنصرة فئة مسلمة على حساب أخرى, ويدعو المسلمين لقتال بعضهم بعضاً, بل يوزع صكوك الشهادة على من يشاء، وينزعها عمن يشاء دون إسناد صحيح من القرآن والسنة”.
ويقول إن الفتوى باطلة, وعلى مفتي ليبيا أن يبعد الدين تماماً عن السياسة, فالدين منزه عن الهوى الشخصي، والسياسة مليئة بالأهواء والنزوات والمطامع، ولا يصح أن يكون الدين مطيه لها.
النجار: فتوى جاهلة وباطلة
د. عبدالله النجار، أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يصف فتوى مفتي ليبيا بالجهل والبطلان, ويقول إنها لا تمت لصحيح الدين بصلة, فالإسلام يعتبر أن كل قوة تمنع الفوضى والنهب والسطو المسلح وتوقف الترويع والقتل وتعيد الأمن والأمان وتحمي حقوق المواطنين وتحافظ على ممتلكاتهم وتحمي الدولة هي قوة إسلامية, وجب الالتفاف حولها ومساندتها ودعمها والانضمام تحت لوائها، وهذا ما ينطبق على حفتر وقواته.
ويضيف النجار: “حفتر وقواته يقومان بعمل عظيم يتفق مع تعاليم الدين وشرع الإسلام، فهو يتحرك بوازع ديني لنصرة بلاده ومنع سقوطها, ويقاتل بدافع وطني من أجل شعبه الذي استنجد به. ويتساءل النجار: هل يجوز أن يقف حفتر متفرجاً صامتاً ساكناً تجاه ما يجري في ليبيا من انتشار الإرهاب والفوضى والخطف؟ هل الإسلام يأمره بالتخاذل والتقاعس عن نصرة شعبه ومن استنجدوا به؟ هل نسي مفتي ليبيا صرخة “وا معتصماه” التي حركت جيوش المسلمين لنصرة امرأة مسلمة؟”.
ويقول إن مفتي ليبيا نطق باطلا،ً وما نطق به لا علاقة له بالإسلام, وعليه أن يصمت, وكفانا ما جرى للإسلام على يد شرذمة أساءت للدين ولنفسها ولمجتمعاتنا وأوطاننا، فعليهم أن يرحمونا ويرحموا الإسلام من ترهاتهم ولا أقول فتاواهم.
الشحات: من يقاتل ضد حفتر هم البغاة والظالمون
د. محمد الشحات الجندي، أمين عام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، يقول إن منح حق الشهادة يكون في القتال بين المسلمين والكفار، لكن القتال في ليبيا بين فئتين مسلمتين بغت إحداهما على الأخرى، وعلينا هنا أن نلجأ لقول الله تعالى: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين”.. صدق الله العظيم.
ويضيف أنه “في تصوري فإن الفئة التي تبغي هي الفئة التي يلفظها الشعب, ويجمع على فسادها ونبذها, فلو كان الشعب مع حفتر – واعتقد ذلك – فهنا الفئة الأخرى هي الباغية وعلي حفتر ومن يساندونه، سواء كان الشعب أو غيره أن ينصحها أولاً بوقف القتال والدعوة للاحتكام لصوت العقل, والتفاوض من أجل حقن الدماء، فلو استجابت لكان خيراً وبركة, ولو رفضت فقتالها واجب طبقاً لنص الآية”.
ويقول إنه في كل الأحوال فتوى مفتي ليبيا باطلة ولا ينبغي إقحام الدين في السياسة.
الرفاعي عبيد: لا شهادة لمن يقاتلون ضد حفتر
د. منصور الرفاعي عبيد، عضو مجمع البحوث الإسلامية، يرفض فتوى الغرياني ويقول إنها تختلف مع صحيح الدين, فقتال المسلم للمسلم حرام, والقاتل والمقتول في النار عدا من يدافع عن عرضه وماله وأهله, وفي الحالة الليبية فإن حفتر يدافع عن بلاده وأعراض وأموال شعبه، لذا فلا شهادة لمن يقاتلون ضده، لأنهم معتدون وبغاة وظالمون.
أمنة نصير: أقول للغرياني الدين لا يعرف الهوى
د. أمنة نصير، أستاذ العقيدة الإسلامية والعميد السابق لكلية الدراسات بجامعة الأزهر، تندد بفتوى الغرياني وتقول إنها مغلفة بالهوى والانتماء السياسي, وبعيدة عن الدين, فالدين لا يعرف الهوى, وكان من الأولى بالشيخ الغرياني أن يدعو “الفرقاء” للتصالح والجلوس على طاولة التفاوض, وحل النزاع بعيداً عن العنف, وحمل السلاح حقناً لدماء المسلمين, لكنه تورط – بعد أن غلبه الهوى – في إصدار فتوى تؤجج الصدور وتزيد الاحتقان.
وتضيف: “أقول له ولغيره اتركوا الشعوب تبحث عن طريقها للنجاة ولا تقحموا فتاواكم وأهواءكم في تغليب طرف على حساب طرف, ولا تقفوا في طريق الشعوب واختياراتها، فيد الله مع الجماعة، ومصائر الأوطان ليست لعبة نمنحها لفئة دون أخرى بفتوى أو صك شرعي على حساب الدين الذي تعلمون أنه عقيدة راسخة في قلوب شعوبنا, ولذلك تستغلونه أسوأ استغلال للوصول لهدفكم، وهو كرسي السلطة والحكم”.
وتضيف نصير: “أردد على مسامع الشيخ الغرياني مفتي ليبيا قول الإمام الشوكاني: لقد ابتلينا في مجتمعاتنا بأن جعلنا فتاوى بعض العلماء مؤبدة, وصار أن المشرع له صار مشرعا لتأبيد فتاواهم وتخليدها”. وتختتم قائلة: “دعونا من غرور أهل الفتوى وفسادهم القائم على الهوى السياسي، ووقانا الله ووقى المسلمين شر الفتن والانقسامات”.