ثمة من قال “إذا لم يجد السوريون من يسخرون منه فإنهم يسخرون من أنفسهم”، وإن كانت ثورتهم أخرجت إبداعاً لم يكونوا هم أنفسهم يدرون بوجوده، فلعل السخرية والضحك من الألم والموت كان أبرز وجوه تجلي ذلك الابداع.
“عدسة شاب تافه” اسم لصفحة سورية بتوقيع سوري وتصوير سوري وسخرية سورية، أنشئت منذ وقت ليس بالطويل بعد عدسة شاب حمصي ودمشقي وحموي.
وأما معجبو هذه الصفحة فهم أكثر من 32 ألف شخص، عدا الاشخاص الذين يتلصصون عليها.
تافه وتافهون
في تعريف الصفحة كتب منشئوها “نحن مجموعة مؤلفة من شباب على الأرض.. لنقل صور فوتوغرافية تافهة وسخيفة من قلب سوريا وخاصة دمشق”.
التسمية في ظاهرها ساخرة، تحمل ألما أعمق بكثير مما يظن أي مشاهد عابر، ربما يكون السوري وحده القادر على تمييز تلك الصورة التي أتت من مخيم الزعتري التي يظهر فيها طفل في الزاوية البعيدة، تبدو تلك الصورة خالية من المعنى إلى اللحظة التي يقرأ بها الناظر عنوان الصورة “مخيم الزعتري- شارع مزفت”.
ببساطة الفكرة في الكواليس، والألم في العمق، وتفاهة الواقع تؤدي لنخترع ما سميناه “شاب تافه”. يقول (ج) وهو أحد مدوني الصفحة: “طلعت معنا الفكرة للسخرية من الواقع وتحدي الواقع المرير الذي نعيشه، ولنبتسم قليلاً في الوقت الذي احتل الأسى أماكننا، وأردنا تغيير نمط التوثيق المتبع، خاصة أن الشباب ومن كل المدن السورية يوثقون المدن بحرفية عالية، ويضعون صور الدمار أمام أعين العالم كله، وأردنا نحن أن نلفت النظر لأمور تبدو تافهة، ولكن لخلفية الصورة وقاعدتها قصة ثانية وتعليق آخر”.
عالم الأطفال
انتشرت صور الأطفال المذبوحين والقتلى والخائفين كثيراً في يوميات الثورة السورية، ولكن أطفال “عدسة شاب تافه” مختلفون، ويتجلى اختلافهم بالتقاط صورهم من زاوية أخرى، لا يعرف الناظر لها إن كان عليه أن يضحك منها أم يبكي.
أطفال من مخيم الزعتري يتعلقون بسيارة وينظرون بلهفة إلى داخلها، لتظهر بسكويتة واقفة تنتظرهم، ويبقى الزجاج فاصل بين الاثنين.
لعبة ملونة مرمية على الأرض، يبدو لوناها الأحمر والأصفر ضاحكين، وقبل أن تسرق ألوانها النظر تظهر بقوة وبشكل صارخ خلف تلك اللعبة مدينة مهدمة مهجورة خالية من الحياة، لتسحب الحياة من أي لون آخر.
السلام وحواجز الجيش
انتشرت حواجز الجيش في كل سوريا، حتى أصبحت تلك المظاهر طبيعية واعتيادية، ولصورة السواتر الترابية في “عدسة شاب تافه” خصوصية السخرية الشديدة، ولكنها سخرية من الحياة أكثر منها من الحاجز نفسه، فتلك الأكياس من التراب التي يقبع خلفها العسكري والشبيح حاملين أسلحتهم وعدوانيتهم، تظهر خلفها مباشرة لوحة مكتوب عليها “نريد السلام”.
صور الأسد
التقطت عدسة “شاب تافه” صورا للرئيس السوري، فصورت مرة صوره وهي تحترق، وأخرى عندما ألصقت على سيارة نقل القمامة.
حجزت الثورة السورية مكانها إعلامياً، وكرست صوتها بإبداع اعترف به أعداؤها قبل مؤيديها والمتعاطفين معها، إذ ما معنى أن يسرق شبيحة الأسد وموالوه ألحان الأغاني التي علا صوتها بأهداف الثورة ويستبدلونها بكلمات تناسب فداء الأسد، وما معنى أن تبقى حمص فريسة لتفريغ أحقاد النظام، إلا أن يكون السبب إبداع أهل حمص في السخرية من رأس النظام، لدرجة أصبح الموضوع يظهر وكأنه شخصي، ليتحول الرد عليه شخصيا جداً.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليقان

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *