بدا أحمد الدرويش، أحد قادة تنظيم داعش الميدانيين، والمعتقل في مقر قوات “الأسايش” الكردية في بلدة الرميلان شمالي شرقي سوريا، منهكاً من الإصابات التي تعرض لها في بلدة الشدادي قبل اعتقاله من قِبل وحدات حماية الشعب الكردي.كان واضحاً أن الشاب الذي اعتُقل قبل نحو ثلاثة أسابيع لم يُستجوب بعد، إذ أخبرني حراسه أنه ينحدر على الأغلب من دول الاتحاد الروسي، لكن كان من السهل معرفة أنه سوري.
ولد أحمد في حي الخالدية بحمص، وانتقل مع والديه للسعودية حيث نشأ وترعرع ودرس هناك، قبل أن يغادر لأوكرانيا لمتابعة دراسته الجامعية حيث تعلم الروسية هناك.
ويقول الإحباط الذي مُني به في العامين اللذين سبقا هذا القرار.وبعد بدء الانتفاضة السورية ضد حكم بشار الأسد، انضم أحمد إلى الجيش السوري الحر في حمص مطلع عام 2012، وبعد حصاره مع مئات من المقاتلين في حي الخالدية لنحو عامين.
غادر المدينة مع رفاقه في اتجاه بلدة الرستن بترتيب من قبل الأمم المتحدة مع النظام السوري، قبل أن يعود ويغادرها إلى تركيا. يقول أحمد إن أحد أقربائه المنضويين في التنظيم تواصل معه فور وصوله إلى تركيا وأقنعه بالالتحاق بهم، فحسم الشاب الثلاثيني خياره وعبر الحدود مجدداً في اتجاه سوريا وسلم نفسه لحاجز تنظيم داعش عند مدينة “الباب” في ريف حلب الشمالي، وأخبرهم برغبته في الانضمام للتنظيم.
خضع أحمد سريعاً لما يعرف بدورة “الاستتابة” وبعض التدريبات القتالية، ليبدأ فصلاً جديداً من حياته كمقاتل ضمن “جيش الخلافة”، وأسهمت خبرته الميدانية في انتقائه ليكون ضمن القوات الخاصة الاقتحامية للتنظيم، والتي تضم مجموعة من نخبة المقاتلين، وتعرف أيضاً بكتيبة “الصوارم”.
بداية معاركه مع التنظيم كانت في ريف حمص الشرقي، وتحديداً في منطقة الشاعر، حيث حقول الغاز الأكبر في البلاد، والتي استطاع التنظيم السيطرة عليها العام الماضي.
نفى أحمد أن يكون نفذ عمليات ذبح كتلك التي تبثها ماكينة التنظيم الإعلامية، لكنه أكد أنه قتل الكثيرين ممن وصفهم بـ “الجيش النصيري” في عمليات تسلل مفاجئة، في إشارة إلى أبناء الطائفة العلوية من جنود وضباط الجيش النظامي.
لم يبد عليه التأثر حين سألته صراحة عما إذا كان فكر للحظة بأن هؤلاء الجنود ربما كانوا يؤدون خدمتهم العسكرية مجبرين، وأن لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب، وأنهم ربما كانوا ينحدرون من الطائفة السنية وليس العلوية.
بهدوء رد بأن قناعاتهم تحتم عليهم التعامل مع كل من يخدم ضمن جيش النظام ككفار ينبغي قتلهم بلا رحمة.
ويضرب مثالاً على ذلك بالعمليات التي يصفها بـ “الاستشهادية” التي ينفذها مقاتلو التنظيم عن قناعة كاملة، ويبرر وقوع مدنيين ضحاياً خلالها شرعياً طالما الهدف هو ما يقول إنه “نصرة الدين” و”إقامة شرع الله”. بعد بضعة أشهر، أصيب أحمد إصابة بالغة في منطقة السخنة بمعارك تدمر، نُقل على إثرها إلى تلعفر في العراق لتلقي العلاج.وبعد تعافيه، طلب من أمير منطقة الجزيرة العسكري، والذي يعرف باسم أبو مريم التركماني أو الصحراوي نقله إلى العراق، فتمت الموافقة وانتقل إلى سنجار حيث ترقى سريعاً لمنصب نائب الأمير العسكري لسنجار، وتزوج هناك من امرأة روسية التحقت بالتنظيم.
ينفي أحمد أن يكون قد شهد أيا من الانتهاكات التي وقعت على يد مقاتلي التنظيم بحق سكان سنجار من الأقلية الإيزيدية، ويقول إنه وصل المنطقة بعد السيطرة عليها بأشهر، لكنه يلفت إلى أن نفوذ القادة العراقيين في التنظيم هناك أتاح لهم الكثير من المزايا، خاصة في ما يتعلق بحصولهم على غالبية من أطلقوا عليهم تسمية “السبايا الإيزيديات”.
ويوضح أنه بداية تم توزيع الإيزيديات دون مقابل على قادة ومقاتلي التنظيم خلال الأيام الأولى للسيطرة على سنجار، قبل أن يتم لاحقاً بيعهن وشراؤهن ضمن مناطق التنظيم. وفي إشارة لافتة يقول أحمد إنه نادراً ما كان يتم بيعهن حتى لو تم عرض مبالغ مغرية قد تصل لثلاثة آلاف دولار، لأن أعضاء التنظيم كانوا يفضلونهن حتى على نسائهم.
بعد نحو أربعة أشهر، تم نقل أحمد إلى الجهة المقابلة لسنجار على الحدود السورية التي لا يعترف بها التنظيم، وهي منطقة الهول، تحت قيادة أميرها العسكري أبو مريم التركي، إلا أن التنظيم فوجئ سريعاً بعد ذلك بهجوم قوات البيشمركة على سنجار، ووحدات حماية الشعب الكردي على الهول، وخسر التنظيم المنطقتين، وأصيب أحمد مجدداً بطلقات رشاش من طائرة حربية، ليعود بعدها إلى تلعفر مجدداً للعلاج.
اتُهم أحمد من قبل ما يعرف بأمنيي التنظيم بأن كل مكان يذهب إليه يتم استهدافه بطائرات التحالف، وتم التحقيق معه لتسعة أيام، ويقول إنه بُرئ وعاد لصفوف التنظيم “مرفوع الرأس” كما قال.
بعد سقوط سنجار والهول، طلب أحمد العودة لحمص، إلا أن زوجته الروسية فضلت الذهاب للشدادي، والتي تتخذ منها “كتيبة الكزخ” التي تتحدث الروسية قاعدة لها، ووافق على اقتراح زوجته وانتقلا معاً إلى هناك.
في الشدادي كُلف أحمد بالعمل كأمير للتحصينات، وبدأ خطة لتدعيم خطوط دفاعات البلدة التي يسيطر عليها التنظيم منذ أكثر من عامين، كحفر الخناق وبناء السواتر. لكن بعد أربعة أشهر على انتقاله، بدأ هجوم وحدات حماية الشعب الكردي على البلدة.
يقول أحمد إن الشدادي كانت أحد معاقل التنظيم الرئيسية، وإن البلدة كانت تضم مجموعة من أهم قياداته العسكرية، لكنه ينفي أن يكون من بينهم أبو عمر الشيشاني الذي يعرف بأنه “وزير حرب الدولة”.
لكنه يؤكد أن تطبيق التنظيم لتعاليمه في الشدادي لأكثر من عامين، لم يدفع سكان البلدة لتقبلهم، وبأنهم ظلوا حتى مغادرتهم مضطرين لفرض تعاليمهم بالقوة.
سألته ما صحة الأنباء التي تشير إلى مغادرة بعض سكان الشدادي مع مقاتلي التنظيم بعد بدء هجوم القوات الكردية، فأجاب بأن أعداد من رحلوا عن البلدة من سكانها الأصليين قليل جداً.
عملية الاعتقال.
يقول أحمد إنهم فوجئوا بالالتفاف الذي قامت به القوات الكردية على البلدة، وذلك في أعقاب أسبوع من القصف المركز لطائرات التحالف الدولي، وبأن دفاعات التنظيم باتت بلا جدوى وهو ما دفع لاتخاذ القرار بالانسحاب جنوباً في اتجاه دير الزور.
خلال عملية الإخلاء تعرضت السيارة التي كانت تقل أحمد لقصف أسفر عن إصابته، أمضى بعدها بضع ساعات ينزف، قبل أن تصل إليه القوات الكردية وتصيبه في ذراعه وتعتقله.فقد أحمد الاتصال بزوجته الحامل بطفله، والذي لا يتوقع أن تتسنى له الفرصة للقائه، ويقول إنه لا يعرف مكانها حالياً، ولكنه يرجح أن تكون قد غادرت إما في اتجاه دير الزور أو القائم.
بدا الشاب متصالحاً مع قناعاته بطريقة لافتة، وتوقع أن تشهد ما يطلق عليها اسم “الدولة” مزيداً من الفتوحات والانتصارات رغم الهزائم التي تكبدتها على جانبي الحدود في سوريا والعراق.
الأمر اللافت الوحيد في سلوكه الذي يشي بعدم انضباط علني بتعاليم التنظيم، كان طلبه التدخين، وافق الحارس الكردي على إعطائه سيجارة.
سألته: أنتم تجلدون الناس في مناطق سيطرتكم بسبب هذا الأمر، قال نعم هذا ما نفعله، لكني كنت أدخن سراً.