قتيل وجرحى في اشتباكات بين الامن الاردني ولاجئين سوريين في مخيم الزعتري

المغترب من قاسيون في هذا الصباح :
كانت الأنسام الندية تداعب ذوائب الأشجار , فتعطفها ذات اليمين وذات الشمال , وأشجارالحور تقف بقاماتها الممشوقة صفوفاً بين يدي ” قاسيون ” , تُسمعه أعذب ما وعته الطبيعة من ألحان , وأغصان الصفصاف تتدلى على ضفاف “بردى”, لتبترد بمائه السلسبيل, والقمر يقطع كبد السماء في رحلته الأبدية , فتمتزج أشعته بأريج السوسن والنسرين, الذي يغطي جدران قصر تشرين .
و دمشق الساهرة تتلألأ في أحضان هذه الفتنة الحالمة كعقد لؤلوء منثور على سفح قاسيون يغنّيها ” بردى ” أعذب ألحانه , وتحلّيها الغوطة بأبهى أزهارها ويجللها التاريخ بردائه العريق.
لقد آن لمدينة السادة البهاليل من بني أمية أن تسلم جنبيها إلى الراحة بعد أن أنْقَضَ ظهرها الإرهاب , وأن تذيق جفنيها لذةَ الغُمْوض بعد أن قرحها السُهْدُ, وأن تنعم بنور الحرية بعد أن عاشت في ليل داجٍ زمناً, غشيتها خلاله ظُلُماتٌ بعضها فوق بعض .
لم تكن المدينة العريقة تعلم أن القدر يخبئ لها بين طياته هذه الأحداث الجسام , وأنه سيبلونها بهذا الإرهاب شنيع الفكر والوجه واللسان , فكم من حسناء جرَّ عليها حسنها ضروب الأذى وصنوف البلاء . وكم من شوهاء عاشت قريرة العين هادئة البال, وكم من أرض مخصبة أشبعها المحراث شقاً وتجريحاً , وكم من أرضٍ مجدبة عاشت آمنة لم تمسسها يد بسوء.
علمت دمشق الحالمة بما يحاك لها في الخفاء ,فتجافت جُنوبُ أبنائها عن المضاجع , وهبّوا مذعورين من هول ما يتربص بهم من شر, وما يحاك لهم من مؤامرات,
ولاحت تباشير الفجر تنثر الضوء على ما نثرته يد البارئ المصور على الربوع من سحر , وما خطته أنامل نيسان على أذيال “الهامة” و “دمر” من وشيٍ , وما حباه “بردى” المعطاء “للربوة” الغناء من فتنة, حيث بدت فروعه السبعة و كأنها مسايل دموعٍ على خد المدينة المحزونة, , و من منارات جامع بني أمية وقف المؤذنون يرفعوا رؤوسهم نحو السماء , ومدوا أصواتهم حلوة مجلجلة بهذا النداء العْلْوي العذب : حي على الصلاة حي على الصلاة , حي على الفلاح حي على الفلاح, وتجاوبت مآذن المدينة الخالدة مع هذا النداء القدسي فرددته هي أيضاً , وانسابت الأصواتُ المؤمنة إلى القلوب كما انسابت إلى الآذان , فأيقظت هاجع النفس بعد أن أيقظت هاجع الجسد .وخرج الرجال من منازلهم ينفحون شوارع المدينة بعبق تسبيحهم , وهم يتوجهون إلى المساجد القريبة من بيوتهم ليوأدوا لله ما في أعناقهم من حق.