بين جنبات بيت متواضع في بلدة دورا في محافظة الخليل، تعيش عائلة فلسطينية مأساة إنسانية كبيرة، أبطالها أم صابرة باكية و8 أولاد معاقين وزنزانة الاحتلال والموت الذي أدمن على زيارة البيت خاطفاً أرواح من فيه في ريعان شبابهم.
فقد ولد في البيت الذي زارته “العربية.نت” والتقت أهله الأحياء 14 من الأشقاء والشقيقات، 8 منهم مقعدون مع إعاقات جسدية، ثلاثة من هؤلاء السبعة ماتوا، وأحد الذين ماتوا الأسير المحرر أشرف أبو ذريّع الذي توفي قبل نحو أسبوع.

فلسطيني
الجرح الأعمق الذي تورّم في قلب الأم الثكلى في الأيام الأخيرة، هو الجرح الذي تركه حزنها على فراق أشرف (27 عاما)، والذي تحدثت عنه لـ”العربية.نت” نائحة دامعة: “لم أحتضنه إلا أياما معدودة قبل أن يقضي شهيداً. كان في الأسر ست سنوات ونصف، وهو مقعد وأبقى الاحتلال على احتجازه حتى أنهى محكوميته. لم يكن هدف إسرائيل سجن جسده المشلول، ولكن كان هدفها سجن عقله بعد اتهامه بتحضير عبوة ناسفة. كان أشرف ذكياً جداً وعمل في مجال تصليح الإلكترونيات قبل سجنه”.
“أردت أن أحتضنه وأعوّض عن حرماني منه، لكنه بعد أسبوعين من إطلاق سراحه تدهورت صحته ونقلناه إلى المستشفى، وبعد يومين من دخوله المستشفى دخل في غيبوبة بقيت تلازمه حتى فارق الحياة. كان قد حدّثني بعد إطلاق سراحه أنهم في السجن حقنوه بحقنة قبل إطلاق سراحه ادّعوا أنها مضادة للإنفلونزا، ثم قاموا بوضع ثلاث نقاط لا نعرف ما هي في فمه عنوة. لقد قتلوه كما نعتقد وحرموني منه”.
“فاتحة” الخطوبة تتحول للوفاة
اعتاد الناس في فلسطين قراءة سورة الفاتحة عند الخطوبة وعند الوفاة، وفي حالة أشرف أبو ذريّع كادت تكون “فاتحة” واحدة، لأنه لم يفصل بين الفرح والموت إلا بضعة أيام.
وأضافت الأم: “لقد خطبت له فتاة قبل يومين من دخوله المستشفى. قرأنا الفاتحة ونوينا كتب الكتاب بعد أيام. سألني أشرف مازحا لماذا العجلة يا أمي؟ أتريدين الخلاص مني بهذه السرعة؟ قلت له لا ولكنني أريد أن أفرح بك وأن تبدأ حياة جديدة، لكنه مرض بعد يومين وحلّ به الموت بدل الحياة. لكن أقول الحمد لله وأحتسبه عند الله شهيداً”.
الخوف من نفس المصير
ونوّهت الأم إلى الخوف الكبير الذي كان ينتاب أشرف على شقيقته الصغرى لمياء المقعدة البالغة من العمر 18 عاما. كان دائما يسأل عنها ويخشى أن يخطفها الموت على غرار ما حدث مع شقيقيه اللّذين كانا مقعدين وسبقاه إلى الموت أيمن وعبيدة، إذ مات الأول في عمر 16 عاما والثاني بعده بأربع سنوات بعمر 15 عاما.
كانت لمياء أول من سأل عنها أشرف عند خروجه من السجن، وكان يتوق للتحدث معها للاطمئنان بنفسه أنها لا تزال على قيد الحياة.
وخلصت الحاجة أم فهد والدة أشرف للقول إنها إنسانة مؤمنة وراضية بما كتب الله عليها من فقدان ثلاثة من أبنائها في مقتبل العمر، وراضية بأن بيتها مستور يعيش على الخبز والزيتون، وتفخر بأنها تمكنت من تربية أبنائها تربية صالحة، رغم كل الظروف وصعوبة الحياة ومرارتها.

شارك الخبر:

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *