على غير العادة تحرك في الساعات المظلمة، فالحالة المعتادة أن تصبح الحركة ليلاً فقط للضرورة، وصل أصدقاء منهل إلى منزله، الكل ينتظر أن يكتمل العدد ليتحركوا إلى النقط التالية، هي المرة الأولى التي يقابل سعيد منهل، يتحرك الجميع هذه المرة على غير العادة دون سلاحهم.

منهل هو الوحيد الذي يعرف الطريق، حيث نقطة التجمع التالية، يسير في مقدمتهم وبيده مصباحه يعرف كيف يوجهه، تمر المجموعة عبر الفتحات في جدران المنازل عابرين بها عدد من الشوارع، ركضات سريعة، مرور بخندق مع إطفاء كافة الأضواء والمصابيح، تمت العملية بنجاح والوصول الى مكان التجمع، دخلوا الى بيت أبومحمد، ليبدأ التعارف.

يعرّف منهل من أتى معه على أبومحمد، شمعتين أنارتا الغرفة، ليبدأ تبادل الحديث عن آخر مستجدات الحصار والسؤال عن الوضع في نقاط الحراسة للحاضرين، وعن المواد الغذائية المتوافرة، وعن توافر المياه والطحين وغيرها من الأمور التي تهم المحاصرين.homos syria

أهلين بالشباب “يدخل نزار” شاب صغير بالسن يحمل إبريقاً من الشاي وعدداً من الكاسات، ليبدأ توزيع الشاي على المتواجدين، عدد الكاسات لم يكفِ نصف الحاضرين، “دبروا حالكون شباب كل تنين سوا” يقولها سعيد ويضحك الباقون، أبومحمد يطلب من نزار البحث عن مزيد من الكاسات في البيوت المجاورة.

يصل ستة شبان جُدد، لتمتلئ الغرفة بالحاضرين، ويجلس الشبان منهم على الأرض وآخرون على الصوفا وما توافر، يخرج أبوأمين، أحد الحاضرين الجدد، علبة الدخان الخاصة به، ليبدأ بلفّ ست سجائر، ويوزعها على زاوية الغرفة ليدخن كل أربعة من الحاضرين سيجارة واحدة معاً، ندرة السجائر المتوافرة في الحصار جعلت أكثر المدمنين على التدخين يحصل على سيجارة واحدة على الأكثر إن كان من أصحاب الحظ السعيد.

يستمر الحديث حول ما يدور في الحصار والحالة الصعبة التي وصلت إليها الأحوال، صوت هدير قوي، يسود الصمت لبرهة ليعلو صوت الهدير، دارت مولدة الكهرباء” يقولها أحدهم ” ليعمل أحد المصابيح في الغرفة، غرفة قد لا تزيد مساحتها على 25 متراً يجلس فيها أكثر من 27 شاباً، الكل يلبس الثياب السميكة فالبرد أصبح شديداً في الأيام الأخيرة، ولا وسيلة أخرى للتدفئة إلا زيادة الثياب.

اقتربت الساعة من التاسعة، “اتفضلوا إخواتي” يقولها أبومحمد، صالة كبيرة فيها عشرات من الكراسي وشاشة قد توصف بالعملاقة إذا قورنت بالشاشات الموجودة في البيوت، البرشلونية على اليمين، والريالية على اليسار، يقولها نزار، أيام الحصار وكل ما مر به أولئك المحاصرون لم تجعلهم يتخلوا عن روح الشباب في متابعة الرياضة وخاصة كرة القدم، انتظارهم لهذه المباريات القوية التي طالما شاهدها هؤلاء المحاصرون في ظروف مختلفة ومع ناس آخرين مازالت باقية وكافية لتعطيهم فترة من الراحة عن كل ما عانوه في أيام الثورة، لتجمعهم بعيداً عن أجواء الحصار والحرب.

بين شوطي المباراة هتف أحدهم لفريقه مستعيناً بالكلمات التي اعتادوا ترديدها أثناء المظاهرات، ليرد عليه مشجعو الفريق الخصم بهتافات تحيي فريقهم وكل من شجعه، أبومحمد الرجل الأربعيني كان قادراً على ضبط أي شرارة قد تؤدي الى خلاف بين مشجعي الفريقين.

لا يهم من سوف يربح، كان كفاية اجتماعهم معاً في هذه الظروف الصعبة، هم من أحياء مختلفة، وكتائب مختلفة، مصابهم واحد، فأكثرهم قد فقد أحد أقاربه أو أصدقائه المقربين في الحصار أو خارجه. تنتهي المباراة، ليتبادل بعض الحاضرين أرقام هواتفهم، ويرسل آخرون التحيات الى أصدقائهم مع بعض الحاضرين، “إن شاء الله المباراة الجاي منشوفكون كلكون بخير وسلامة، ديروا بالكون على الطريق، الله يحميكون” يودع أبومحمد الحاضرين عند باب الخروج.

أمنيات أبومحمد هي ذاتها بعد كل مباراة، عشرات ممن كانوا يزوروا أبومحمد لمشاهدة المباريات أصبحوا في عدد الشهداء وآخرون جرحى، لتكون صالة أبومحمد جزءاً مما يجعل المحاصر ينسى شيئاً من حصاره، فحب أبومحمد للعبة كرة القدم وفريق المدينة الأشهر “نادي الكرامة” ومتابعته في مبارياته أين ما حل من المدن السورية والعربية جعل أبومحمد واحداً من جمهور النادي المعروفين في محيطه ومتابعاً للعبة بكل تفاصيلها، الأمر الذي استمر به أبومحمد مع تغير كل ظروف الحياة من طبيعية آمنة الى حياة الحرب والثورة.

شارك الخبر:

شارك برأيك

تعليق واحد

ماذا تقول أنت؟

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *