واجهت قوات من الدرك والحرس الموريتانيين أمس الاثنين عمال ميناء نواكشوط بقمع عنيف بعد أيام من الاعتصام مطالبين بتحسين ظروفهم، وزيادة تعويضاتهم المادية، إضافة لإيجاد راتب تقاعد وتأمين للمسنين منهم. واستخدمت قوات الدرك والحرس في تدخلها العنيف في محيط الميناء القنابل المسيلة للدموع والهراوات، ودخلت في مواجهات مع العمال امتدت لاحقا لعدد من أحياء العاصمة نواكشوط، والتي انسحب إليها عدد من العمال بعد اشتداد وقعة القمع.
وتشكلت الوحدات العسكرية التي تولت السيطرة على الاعتصام العمالي من عشرات السيارات ومئات العسكريين من سلكي الدرك والحرس، فيما تولى عدد من الضباط بقيادة جنرال من الدرك الإشراف على العملية التي تواصلت حتى الساعات الأولى من ليل الثلاثاء.
وقد أدى استخدام القوات العسكرية للقوة لسقوط عدد من الجرحى تم نقلهم إلى المستشفى الوطني وسط العاصمة لتلقي العلاج، كما أدى لتوقيف عدد من المعتصمين ارتفع عددهم حسب مصادر عمالية إلى 25 موقوفا.
وقال عدد من عمال الميناء إن المعتقلين تعرضوا للضرب وأنواع الإهانات داخل المعتقل، قبل أن يتم إطلاق سراح بعضهم في الساعات الأولى من ليل الاثنين. يقول أحد العمال.
كما اتهم متحدث باسم العمال إدارة الميناء بمحاولة شق صفوف العمال، وبث الخلاف بينهم من أجل إفشال اعتصامهم المستمر منذ عدة أيام، والمتجه للتصعيد في ظل مماطلة الإدارة ومكتب التشغيل في تلبية مطالبهم الملحة.
أصل المشكل
ويعود أصل القضية إلى الخلاف بين العمال ومكتب اليد العاملة في الميناء، حيث يأخذ هذا المكتب جزءاً من تعويض العمال يصل في بعض الأحيان إلى 30%، وقد واجه هذا المكتب العديد من الاحتجاجات طيلة الأعوام الماضية.
ويتولى الرائد السابق في الجيش الموريتاني محمد ولد شيخنا إدارة هذا المكتب، وقد أطلق عليه العمال العديد من الأوصاف التي تتهمه باستغلال جهودهم دون مقابل، من بينها “الإقطاعي الجديد”، والاستعبادي الجديد. كما وصفوا مهام مكتب تشغيل العمال بأنه “عبودية جديدة تسلط عليهم في إحدى المؤسسات العمومية للدولة الموريتانية”.
تضامن واسع
وأصدر عدد من الكونفدراليات العمالية والأحزاب السياسية بيانات صحافية أعلنت فيها تضامنها مع عمال الميناء، وعدت الحكومة الموريتانية وإدارة الميناء إلى الاستجابة لمطالبهم، معلنة تنديدها ورفضها الشديد لاستخدام القوة في مواجهة ما وصفته “بالنضال السلمي والحضاري للعمال”.
وأدانت الكونفدرالية العامة لعمال لموريتانيا –إحدى أكبر النقابات العمالية في موريتانيا “بشدة انتهاك حقوق الحمالة المؤقتين وخاصة فيما يتعلق بحقهم في الحصول علي وظائف دائمة وأجور لائقة وتكوين مستمر وحماية اجتماعية مناسبة”، مؤكدة أن استخدام العمال في ميناء نواكشوط “ظل دائما يجري خارج الأطر القانونية بفعل تحكم شركات الشحن والتفريغ في مكتب العمالة المينائية ورفضهم الدائم مراعاة مقتضيات قانون الشغل و الاتفاقيات الجماعية والامتثال لها”. حسب نص البيان الصحافي الذي حصلت “العربية.نت” على نسخة منه.أما الكونفدرالية الوطنية للشغيلة الموريتانية فقد حذرت من انزلاق الأمور في ميناء نواكشوط المستقل نحو المواجهة والعنف بعد التطورات التي وصلت إلى درجة سقوط جرحى بعد حصول مواجهة بين العمال المطالبين بحقوق مشروعة لهم وقوات الأمن، معتبرة عن تنديدها باستخدام القوة من أي طرف كان بقصد فرض إرادته، داعية الجهات المعنية للإصغاء إلى مطالب الحمًالة، وفتح مفاوضات تفضي إلى رفع دخولهم وتوفير حماية اجتماعية لهم، كما دعت الحمالة إلى عدم الاستدراج للعنف وإلى التمسك بالسبل القانونية المشروعة لانتزاع حقوقهم”.
قنابل فرنسية خطيرة
المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان اتهم قوات الدرك الموريتاني باستخدام قنابل مسيلة للدموع “ذات تأثير خطير على الحواس وتسبب حكة في الجسد وتقيئا ونزيفا في الأعين والفم والأنف”، وأكد المرصد أن هذه القنابل من صنع “شركات فرنسية واسبانية بعد احتجاجات شباب الضواحي في باريس 2005 ويبلغ مداها مائة متر”.
وقال المرصد في بيان صحافي حصلت “العربية.نت” على نسخة منه إن السلطات الأمنية أغلقت الميناء منذ صباح الأحد 21/04/2013 واعتمدت استخدام القوة وسيلة لقمع الاحتجاجات التي طبعها التحرك السلمي للتوصل لمطلب الزيادة المشروع والإضراب المحمي بموجب القانون والدستور الموريتاني”.
وأكد أنه تابع منذ أيام احتجاجات الحركة العمالية في ميناء الصداقة بالعاصمة نواكشوط، ولاحظ أن الاحتجاج السلمي وممارسة حق الإضراب هو السمة الغالبة على هذه الاحتجاجات، مشيرا إلى أنه أجرى “معاينات ميدانية لها”.
كما حذر “السلطات الموريتانية من التمادي في الخرق المستمر لقوانين البلاد التي توجب للعمال حق الاعتصام والتظاهر وتتيح لهم حق التعبير عن آرائهم بكل حرية”، مهيبا “بالمنظمات الحقوقية الوطنية والدولية للتحرك لمنع الشركات الفرنسية والإسبانية من تزويد النظام الموريتاني بآلة القمع التي تستخدم ضد المدنيين العزل المطالبين بحقوق مشروعة يكفلها القانون الوطني والدولي”.