مازالت الزيارة التي قام بها البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة تلقى هجوماً “شرساً” من قبل معارضيها، على رغم تأكيدات البطريركية المارونية أنها زيارة رعوية، وأنه لم يلتقِ مسؤولين إسرائيليين أو يصرّح لوسائل إعلام إسرائيلية.
قسم من اللبنانيين اعتبر أن الزيارة تأتي في إطار التطبيع مع إسرائيل، لكن الجديد هو الهجوم الذي شنّه بعض الصحافيين على لقاء الراعي مع “متعاملين سابقين” مع الجيش الإسرائيلي و”قوات أنطوان لحد”، أو ما كان يُعرف بـ”جيش لبنان الجنوبي”، واللذين كانوا يسيطرون أمنياً وعسكرياً على القسم المحتل من الأراضي اللبنانية قبل عام 2000.
آخر المقالات التي هاجمت البطريرك الراعي كانت للصحافي إبراهيم الأمين، المقرّب من حزب الله، والذي اعتبر أن الراعي ارتكب خطأً جسيماً بلقائه من سمّاهم “قتلة ومجرمين” وطالبه بالاعتذار، كاتباً في مقالته في صحيفة الأخبار “اعتذر عمّا فعلت!”.
أما رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط فاستغرب ما يشنّ على البطريرك الراعي من حملات إعلامية وسياسية، خاصة أن زيارة للأراضي المحتلة جاءت في إطار نشاطه الرعوي المسيحي.
وقال جنبلاط: “لقد سعى البطريرك الراعي من خلال هذه الزيارة إلى إعطاء المسيحيين الفلسطينيين والعرب بارقة أمل ورجاء في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها، وهو نجح في الابتعاد عن كل ما يمكن استغلاله من قبل الاحتلال الإسرائيلي ووضعه في خانة التطبيع المرفوض”.
وأضاف جنبلاط في موقفه الأسبوعي لجريدة “الأنباء” الإلكترونيّة: “أما فيما يخص ما يُسمّى العملاء، فمن المفيد التذكير بأن هؤلاء ينتمون إلى جميع المذاهب والطوائف، فلماذا لا تتم إحالة المتورطين منهم إلى المحاكمة، كما سبق وحصل لنظرائهم؟ أما أسرُهم وأولادهم مما أجبرتهم ظروف الاحتلال على التعاطي بشكل أو بآخر مع العدو، فلا تنطبق عليهم صفة العمالة”.
عودة المتعاملين من إسرائيل
وفي هذا السياق، قال الكاتب الصحافي أسعد بشارة، في حديث مع “العربية نت”، إن “انتقاد الزيارة كمبدأ ليس في مكانه لأن الكنيسة المارونية في لبنان معروفة بمواقفها الثابتة والواضحة من موضوع الصراع العربي-الإسرائيلي وعدم اعترافها بقدسٍ إسرائيلية”.
وتابع: “في أراضي الـ48 والضفة الغربية وقطاع غزة، يوجد مسيحيون. من واجب البطريرك الراعي زيارتهم من دون أن يُعتَبر ذلك تطبيعاً”.
ويشدد الصحافي أسعد بشارة على أن “التعامل مع إسرائيل أمر مرفوض كلياً لكن الاحتلال الإسرائيلي، وكأي أنموذج احتلال في أي بلد في العالم، ترك وراءه أمراً واقعاً، على اللبنانيين معالجته بطريقة بعيدة من الكيدية لا ترمي هؤلاء “العملاء” في أحضان الدولة الإسرائيلية”.
وتساءل بشارة: “الغريب أن المقربين من حزب الله يهاجمون مَن تعامل مع إسرائيل، متجاهلين بذلك أن تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر بقيادة ميشال عون وضع آلية لعودة هؤلاء، فلمَ الهجوم في هذا الوقت تحديداً على البطريرك الماروني بشارة الراعي؟”.
وكان الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصرالله، والجنرال ميشال عون قد وقعا على وثيقة تفاهم في فبراير 2006 نصّت في بندها السادس على ما يأتي:
“اللبنانيون في إسرائيل: انطلاقاً من اقتناعاتنا بأن وجود أي لبناني على أرضه هو أفضل من رؤيته على أرض العدو، فإن حل مشكلة اللبنانيين الموجودين لدى إسرائيل تتطلب عملاً حثيثاً من أجل عودتهم إلى وطنهم آخذين في الاعتبار كل الظروف السياسية والأمنية والمعيشية المحيطة بالموضوع، لذلك نوجه نداءً لهم بالعودة السريعة الى وطنهم”.
أما القيادي في التيار الوطني الحرّ المحامي أنطوان نصرالله فاعتبر في مقابلة مع “العربية نت” أن “الحملة التي تشن على البطريرك الراعي من قبل بعض الصحافيين أمر له علاقة بحرية الصحافة والتعبير”، مضيفاً أن “التيار الوطني الحرّ إن أراد إبداء أي ملاحظات على هذه الزيارة فهو يقولها مباشرة للبطريرك الراعي من دون أن يعالج هذا الأمر في القنوات الإعلامية؛ لأن التيار يرفض أي حملة إعلامية تشوّه صورة رأس الكنيسة المارونية في لبنان”.
لكنه تساءل في المقابل: “أليس من يدافع عن زيارة الراعي إلى إسرائيل اليوم، هم أنفسهم الذين هاجموه حين زار دمشق في فبراير من العام الماضي؟”.