كان لبنان مقبلاً على أزمة تقوده في أغسطس الحالي، ولأول مرة بتاريخه، إلى انتخاب مفتيين للجمهورية، وكلاهما من الطائفة السنية، لكن وساطة مصرية مدعومة سعودياً، وقادها طوال الشهرين الماضيين القنصل المصري في بيروت، المستشار شريف البحراوي، نجحت بحلحلة ما كان سيعصف بوحدة وتماسك الطائفة ويهدد بتقسيمها، لذلك أصبح انتخاب مفتٍ واحد خلفاً للحالي الشيخ محمد رشيد قباني، أكيدا يوم الأحد، وفيه سيظهر “المفتي المنتظر” من مرشحين، أحدهما كان قادماً على المنصب بالتزكية.
وستجري عملية الانتخاب في بهو “دار الفتوى” الواقع مقرها بمحلة عائشة بكار في بيروت، وفي حضور أكثرية الثلثين من أعضاء “مجلس الانتخاب الإسلامي” في الدورة الأولى، وإذا لم يكتمل حضور الثلثين يتم تأجيل الجلسة ساعة واحدة في اليوم نفسه، بحيث يتم الانتخاب بحضور النصف، حيث يفوز بالمنصب من ينال الأكثرية المطلقة من أصوات الحاضرين، وبعدها يفي المفتي قباني بعهد قطعه بأن يسلّم “الدار” إلى المفتي الجديد ويغادرها في 15 سبتمبر المقبل.
وكانت “أزمة دار الفتوى”، كما سموها في لبنان، دامت أكثر من 3 سنوات، ويمكن تلخيصها بنشوء مجلس إسلامي شرعي أعلى ممدَّد له بعد أن انتهت ولايته، ومناوئ للمفتي قباني، المتهم من “تيار المستقبل” بأنه قريب من حزب الله، وآخر منتخب موالٍ للمفتي.
موعدان لانتخاب مفتٍ جديد
واتخذ المجلس الموالي للمفتي قراراً بتوسيع الهيئة الناخبة لمفتي البلاد، فأثار بذلك حفيظة المجلس القريب من “تيار المستقبل” وراحوا يتحدثون عن إمكانية انتخاب مفتيين، خصوصاً بعد أن حدد المجلس الموالي للمفتي يوم 31 أغسطس موعداً لانتخاب مفتٍ جديد، فيما دعا رئيس الوزراء تمام سلام لانتخاب مفتٍ يوم الأحد10 أغسطس، إلى أن نجحت المبادرة المصرية في مسعاها ووحدت الموعدين في موعد واحد.
وأدت المبادرة إلى اتفاق بين المعنيين بملف الإفتاء على تكريم المفتي قباني بحفل تسلّم وتسليم في “دار الفتوى” وبحضور رئيس الوزراء تمام سلام ورؤساء الحكومات السابقين، وإنهاء كافة الإشكاليات والدعاوى القانونية المقامة عليه بشكل قطعي، كما وشراء بيت له ليقيم فيه بعد خروجه من “دار الفتى” التي تأسست قبل 59 سنة.
وأهم ما نتج عن الوساطة المصرية أيضا هو اتفاق الجميع على القاضي الشيخ عبداللطيف دريان، كمرشح تزكية من دون منافس، بحيث كان سيشغل منصب مفتي الجمهورية اللبنانية لمدة 11 سنة، أي حتى بلوغه السن القانونية، وهي 72 سنة، في عام 2025 على الأكثر. كما تقرر أن يكون الشيخ دريان أيضاً رئيساً لمجلس شرعي جديد بعد حلّ المجلسين الشرعيين الحاليين فور انتخابه.
لكن عمر الاتفاق على القاضي دريان مفتياً بالتزكية بلا منافس كان قصيراً، فبعده أعلنت “هيئة العلماء المسلمين في لبنان” عن مرشح للمنصب باسمها، وهو الشيخ أحمد درويش الكردي، كخطوة ديمقراطية منها “رفضا لتهميش دور العلماء في المشاركة بانتخاب رئيسهم الديني، وتفرد السياسيين بترشيح الرئيس الديني للمسلمين” على حد ما ورد في بيان بثته لوسائل الإعلام، مع علمها المسبق أن مرشحها بلا حظ ولا نصيب تقريباً من الفوز بالمنصب الحساس، خصوصا في هذا الوقت بالذات، وأدناه سيرة الرجلين..
الشيخ عبد اللطيف دريان
تلقى القاضي الشيخ عبد اللطيف دريان دراسته الثانوية الشرعية في “أزهر لبنان” في بيروت، حيث أبصر النور قبل 61 سنة، بحسب ما طالعت عنه “العربية.نت” في موقع “المحاكم الشرعية السنية في لبنان”، الذي يذكر أنه حصل على شهادتي ليسانس بأصول الدين والشريعة الإسلامية من الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وتابع دراساته العليا في جامعة الأزهر بالقاهرة ودراساته التربوية العليا في جامعة عين شمس بالقاهرة أيضاً، وحصل على إجازات متنوعة بالعلوم الإسلامية المختلفة من لجان علمية في أمور الدين.
تقلّد مناصب عدة، أهمها أمانة سرّ مفتي الجمهورية اللبنانية الراحل الشيخ حسن خالد. كما شغل منصب مدير مكتب المفتي الحالي، وأيضا منصب مدير مؤسسة الخدمات الاجتماعية التابعة لمؤسسات الدكتور محمد خالد الاجتماعية في بيروت، ومديراً عاماً للأوقاف بالوكالة، وقاضياً شرعياً لمحكمة بيروت الشرعية السنية، ومستشاراً بالمحكمة الشرعية السنية العليا، ثم رئيساً لها، وبعدها مديراً عاماً للمحاكم الشرعية السنية.
كما قام الشيخ دريان، الذي أصدر 5 كتب في شؤون إسلامية متنوعة، بمهام تدريس الشريعة الإسلامية (أصول الفقه – الأحوال الشخصية- المواريث – الوصايا – الوقف) في كلية الحقوق التابعة للجامعة العربية ومعهد الدراسات الإسلامية التابع لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وكلية الشريعة التابعة لدار الفتوى في بيروت، إضافة لمشاركات سابقة وحالية وفي عضوية عدد من الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية والمؤتمرات الإسلامية.
الشيخ أحمد درويش الكردي
أما القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي، المولود في 1954 ببيروت، ومرشح “هيئة علماء المسلمين في لبنان” التي تم تأسيسها قبل عامين، فهو رئيس محكمة بعبدا الشرعية السنية، ورئيس الهيئة الدائمة لنصرة القدس وفلسطين، وتخرج في 1975 بالعلوم الشرعية والعربية من “معهد الفتح الإسلامي” بدمشق، ثم نال ليسانس بعد 3 أعوام من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في القاهرة، وبعدها ماجستير بالدراسات الإسلامية في 1985 من جامعة البنجاب في لاهور بالباكستان، ثم دكتوراة في 2007 بالفقه الإسلامي وأصوله من جامعة الحضارة الإسلامية في بيروت.
وعمل الشيخ أحمد من 1970 حتى 2006 بالدعوة والإرشاد والإمامة والخطابة، كما عمل مدرساً في المرحلة الثانوية بوزارة التربية بين 1981 و1990 بالكويت، ثم حتى 1992 في التدريس الثانوي والمتوسط في مدرسة الإخوة الوطنية في لبنان، كما تم تعيينه في 1996 مدرساً للفتوى بدار الفتوى في لبنان أيضا، ثم في 1999 مديراً عاماً لإذاعة القرآن الكريم في بيروت، وبعدها قام بتدريس مادة الأحوال الشخصية بين 2001 و2007 في جامعة بيروت الإسلامية، ثم تولى القضاء الشرعي السني عام 2000 في لبنان