(CNN)– تكتب ممثلة هوليوود الشهيرة لوسي لو وسفيرة منظمة الأمم المتحدة لشؤون الطفل، اليونيسيف منذ عام 2004، عن تجربتها خلال زيارتها أحد مخيمات اللاجئين السوريين في وادي البقاع بلبنان.
ووفقاً لإحصائيات اليونيسيف يدخل أكثر من أربعة آلاف لاجئ سوري إلى لبنان يومياً، نصفهم من الأطفال، ويحتضن لبنان أكبر عدد من اللاجئين السوريين في العالم، ورغم أن هذا البلد أبقى حدوده مفتوحة أمام اللاجئين، إلا أن الحكومة لم تعط الإذن الرسمي لإنشاء مخيمات للاجئين.
وتقول لوسي في مقالها: “خلال التسعة أعوام التي عملت فيها سفيرة لليونيسيف، تمكنت من زيارة عدد من مخيمات تعود لأشخاص هربوا من مناطق صراع، ويمكن أن أصف هذه الأمكنة بأنها كانت تقل فيها معالم الرفاهية، وأنها كانت تتسم بنوع من البنية التحتية، إذ توجد مصادر للمياه، ومراحيض، وحتى تعليم مدرسي.”
لكن في لبنان لا وجود حتى لمثل هذه الخدمات الأساسية في الوقت الذي تتصارع فيه هذه الدولة الصغيرة لتحمل التدفق الهائل من اللاجئين القادمين من جارتها الكبيرة، إذ أن المناطق التي زرتها لم تكن مزودة بالمراحيض أو مصادر للمياه النظيفة أو مناطق للاستحمام ولا حتى مناطق مخصصة للطبخ، مع زيادة لحالات الإصابة بالجرب والبراغيث والقمل.
التقيت بأمهات وأطفال شهدت أعينهم مناظر العنف المرعبة، إلى جانب مقتل أحبائهم، وفي الغالب يصلون إلى لبنان بلا شيء سوى الملابس التي تكسو أجسادهم، فالأمهات يحاولن الحفاظ على عائلاتهن مجتمعة، لكن دون أن تكون لديهن أدنى فكرة عن ما يمكنهن فعله لكسوة أطفالهن المصدومين أو إطعامهم أو حتى لإيجاد مأوى لهم، في الوقت الذي تركت فيه هذه العائلات نمط حياة الطبقة المتوسطة في سوريا حيث تمتعوا بوجود منزل وكهرباء وأنابيب تصريف صحية.
والآن تضاءلت مدخراتهم، والعديد منهم يعتمد على حس الكرم والضيفة للغرباء، ويعيشون في خيم مصنوعة من النفايات، مثل أكياس (الخيش) والصفائح البلاستيكية، بعضهم قد يستأجرون قطعة من ارض من أحد المزارعين، في الوقت الذي قد يجد آخرون منطقة معزولة للبقاء فيها، ويمكن لهذه ‘المنازل’ الجديدة أن تعرضهم للعديد من الأخطار منها الأمراض التنفسية إضافة لأمراض أخرى، بالإضافة إلى أن عدم وجود مخيمات رسمية أدى إلى تشتت اللاجئين، مما يصعب عملية التعرف على المواقع غير الرسمية لتواجد اللاجئين.
توجهنا لمصنع للإسمنت حيث استأجرت عدد من الأمهات السوريات غرفاً صغيرة لاحتضان عائلاتهن، لاحظت فتاة واحدة ملأت البقع والجلد الحروق وجهها وجسدها، عيناها لمعتا ورسمت ابتسامة سريعة على شفتيها، لكن شعر رأسها وحواجبها كان قليلاً، وعندما سألت عما حصل لها، أخبروني أنها أصيبت بمرض بعدما لعبت في النفايات السامة الصادرة من المصنع.
ومنذ يناير/كانون الثاني، زاد عدد اللاجئين السوريين في لبنان ثلاث مرات العدد الأصلي، ليبقى أكثر من مليون شخص بحاجة ماسة وطارئة للمساعدات الإنسانية، خاصة في لبنان الذي يبلغ عدد سكانه بالأصل أربعة ملايين نسمة، فإن هذه الأزمة تضع ثقلاً كبيراً على كاهل المجتمعات المحلية.”
ووفقاً لإحصائيات اليونيسيف، فإنه وجد أكثر من 150 ألف طفل محروم من التعليم المدرسي، ومع نهاية العام الحالي سيرتفع العدد إلى 400 ألف طفل، منهم من تأخر أكثر من عام عن الدراسة. يمكن للأطفال السوريين أن ينخرطوا في المدارس اللبنانية العامة طالما وجد لهم مكان يسعهم، ولكن العديد من المدارس وصلت الحد الأقصى.
وبينما تتم مناقشة الأوضاع السورية في الولايات المتحدة من الناحية السياسية، إلا الناحية السياسية بالنسبة للأطفال الذين التقيتهم وبالنسبة للملايين غيرهم من الموزعين على أرجاء الإقليم، تعد آخر ما يمكن أن يخطر ببالهم.
ورغم عد تحملهم مسؤولية ما يحصل من عنف، إلا أن الأطفال هم من يدفع الثمن الأكبر في هذا الصراع، فهم بأمس الحاجة إلى المياه والرعاية الصحية والعيش ببيئة معقمة والدعم النفسي وفرص للتعليم، ولكن توجد مشكلة بنقص المصدر التي يمكنها أن تواسيهم، ورغم جسامة الأزمة إلا أن المساعدات التي يمكنها إنقاذ حياة هؤلاء اللاجئين تعاني نقصاً شديداً.
إذ حصلت اليونيسيف على جزء بسيط من الميزانية التي تحتاجها والتي تبلغ 470 مليون دولار أمريكي، مما يعني تهديد العمل بالبرامج التي يمكنها تقديم الدعم لهؤلاء الأطفال، منها برامج لتوفير المياه النظيفة والمدارس والرعاية الصحية والغذائية.
لقد فوجئتُ بمدى الحرمان والأسى الذي واجهه هؤلاء الأطفال، لكنهم أسرعوا باستقبالنا بالأحضان والقبلات طالبين فقط الحصول على فرصة للذهاب إلى المدرسة، إنهم يستحقون تلك الفرصة.
وما نحن نستشعر بتهديده هو نمو جيل كامل من الأطفال المجروحين عاطفياً ونفسياً من آثار الحرب، الوقت يداهمهم وهم يحتاجون لمساعدتنا في إبقائهم على قيد الحياة، وعودتهم للمدرسة ليصبحوا أطفالاً من جديد.”