غادرت أم عزام منزلها في طرابلس مع ابنتها قبل عام ولم تعد. رصاص القناص في عاصمة الشمال اللبناني لم يرحم كبر سنها فأرداها قتيلة، ركضت ابنتها لتسعفها إلا أن القناص كان الأسرع مرة أخرى، فاخترق برصاصه سلسلة ظهرها. سمع شقيقها محمود صرخاتها، ركض مسرعاً ليموت هو الآخر برصاص القنص تحت أقدام والدته.
هذه هي القصة التي رواها على مسامعنا الحاج أبو عزام البحري وقد لمعت عيناه بدموع حاول عبثاً إخفاءها. عائلته دفعت ثمن معارك جبل محسن وباب التبانة وسلبته زوجته وابنه. أما إصابة ابنته، فأجبرته على وضعها في عهدة دار العجزة في الشمال على الرغم من أنها لا تزال في العشرين من عمرها، ولكنها خسرت كامل قدرتها على الحركة بعد أن عانت الأمرين، وما زاد الطين بلة هو عدم موافقة الدولة اللبنانية على التكفل بعلاجها.
بعد مرور عام على مأساة أبو عزام جل ما يتمناه هو أن يعيش مع بقية أبنائه بأمان “نريد دولة تحمينا وتدافع عنا ولكن يبدو أن الدولة غير قادرة على حمايتنا”، ويؤكد العم أبوعزام أنه لا يحمل في قلبه أي حقد تجاه الطائفة العلوية.
ويضيف: “مشكلتي هي مع رفعت عيد الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي في جبل محسن وأنا رفعت دعوى شخصية ضده”. وعندما سألناه عن عدد الجلسات التي حضرها حتى الآن بناء على الدعوة التي رفعها، ابتسم قائلا “نحن في لبنان… لم أحضر أية جلسة”.
لم يتبق من أم عزام وابنها محمود سوى صورة رفعت على شرفة المنزل. عام مر على رحيلهما لم يتغير فيه الكثير في طرابلس. عشرات المدنيين لحقوا بالأم وابنها. والسكان هنا يجمعون على أن القتلى في كافة المعارك كانوا دائماً من المدنيين. شوارع باب التبانة تملؤها صور شبان في مقتبل العمر معظمهم ماتوا قنصاً.
“لم نعد نحتمل”
يحيي ابن السبعة عشر عاما شاب ممن رحلوا خلال الجولة الأخيرة من معارك طرابلس. كان يدخن النارجيلة على أحد أرصفة باب التبانة، عندما انهمر رصاص القنص فجأة عليه ليموت في اللحظة ذاتها. يقول والده إن خسارة الابن صعبة، إنه يخاف على أبنائه الآخرين وعلى “ولاد كل العالم” ويعتب على بعض العناصر من الجيش اللبناني الذين يكيلون بمكيالين كما يقول.
ويضيف “لم نعد نحتمل، كل عشرة أيام تبدأ معركة جديدة لا نعلم كيف بدأت ولماذا انتهت. ألوم السياسيين الذين يقولون إننا إرهابيون ونأوي جماعات إرهابية. هم الإرهابيون. إذا كانوا غير قادرين على ضبط رفعت عيد فليخرج الجيش ونحن ندافع عن أنفسنا. لا نحمل الطائفة العلوية أي ذنب مشكلتنا هي مع آل عيد”.
يذكر أن العاصمة الشمالية تشهد اشتباكات متتالية منذ خمسة أعوام، شكل خلالها شارع سوريا خط تماس بين جبل محسن وباب التبانة، اشتباكات اشتدت وتيرتها بعد بدء الأزمة في سوريا خاصة أن سكان جبل محسن من الطائفة العلوية المؤيدة لنظام الأسد، وأبناء باب التبانة من الطائفة السنية المعارضة للنظام.
ويؤكد أهالي باب التبانة أنهم لم ينسوا ما الذي فعله النظام السوري خلال أيام وصايته على لبنان، “قتلوا ابني عام 1986 كيف أسامحهم؟!” يقول أحد السكان رافضاً الكشف عن اسمه.
16 جولة من المعارك شهدتها طرابلس منذ خمسة أعوام, راح ضحيتها أكثر من 120 قتيلاً ونحو 870 جريحا إضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وحتى هذه اللحظة لم يتمكن أحد من وضع حد لجولات العنف المتتالية في عاصمة الشمال التي يعلم أبناؤها جيدا أن معركة جديدة بانتظارهم عما قريب.
الله يلع.كن يابني نصير….قتلة ومجرمين…