لا أحد يعلم ماذا يجري في مدينة جرف الصخر الحدودية مع بغداد. المعارك المستمرة انتقلت إلى مرحلة المذابح، والجثث ملقاة على الطرق وعند أطرافها، ولا توجد إحصاءات رسمية أو أهلية عن عدد القتلى، رغم هول الأحداث اليومية.
والطرف الذي يعلن انتصاره اليوم، يتراجع غداً، وكل ذلك بعيداً عن وسائل الإعلام، إلا ما تيسر من قليل الصور والكلام.
وجرف الصخر، مدينة صغيرة الحجم، قليلة السكان. غير أن أهميتها تكمن في كونها واحدة من بلدات مثلث الموت جنوب غربي بغداد، والطريق الواصل مع الفلوجة المشتعلة، والفاصلة بين كربلاء والمسيب وبين بقية بلدات مثلث الموت. وأكثر ما عرفت فيه سابقاً زراعة النخيل والفواكه، وحالياً السيارات المفخخة والقتل.
ولكونها زراعية في الأصل، فجاء تقسيمها قبل عقود إلى 7 قطع زراعية، قبل أن يحولها المد العمراني إلى مجموعة من القرى والأحياء المتداخلة، وقبل أن تحولها “داعش” وميليشيات تساند قوات المالكي إلى مسارح قتل، بمعدل يومي لم تشهده أي بلدة عراقية متوترة في الشهرين الأخيرين.
فمعظم جرف الصخر متوتر، والجثث ترفع يومياً من أحياء البلدة، كالفارسية والجازي وصنيديج ورويعية والعبدويس والفاضلية، ولعل أكبر قائد عسكري قتل أخيراً كان العميد عبدالكاظم المرشدي، وهو ابن محافظة بابل، حيث قتل قبل يومين بعبوة ناسفة في حي صنيديج. وقبلها أنباء متسربة عن مقتل عمار الجنابي، ممثل المجلس الأعلى التابع لعمار الحكيم، إضافة إلى قادة من ميليشيات أخرى تابعة، كـ”سرايا السلام”، لمقتدى الصدر، و”عصائب أهل الحق” المنشقة عنه.
وقسوة الوضع ودمويته في جرف الصخر، لم تتحسن منذ دخول القوات الأميركية العراق قبل 11 عاماً إلى يومنا هذا، عندما حافظت جرف الصخر على قيمتها كحديقة خلفية وملاذ آمن لخلايا المسلحين الناشطين شمالها. فعلى شمالها الشرقي تقع بلدات اليوسفية واللطيفية والإسكندرية والمحمودية، وعلى شمالها الغربي تقع الفلوجة، بكل ما يعنيه اسم هذه المدينة من رعب وقتال لم يعرف الهدنة. أما إلى جنوبها، فالهدوء يصاحب مدينة المسيب، التي تستقبل عند كل موجة عنف مزيداً من المهجرين الشيعة، الذين يقطعون جسر المسيب لبلوغ المدينة، وهو الجسر الذي ذاع صيته على نغمات ناظم الغزالي قبل نصف قرن في أغنيته “حياك بابا حياك”، حين قال فيها “على جسر المسيب سيبوني”.
وتهجير الأسر الشيعية من جرف الصخر إلى المسيب عاد في يناير الماضي، وجاءت أحداث آخر شهرين لتشرد الكثير، فلم يبق في البلدة سوى القليل من السكان.
أما المهجرون، فقد “سيبتهم” الحكومة، ولم يسأل عنهم “على جسر المسيب” سوى ناظم الغزالي.