نقل الصحافي المصري مجدي الدقاق عن الرئيس الأسبق حسني مبارك قوله إنه لم يكن ينوي توريث الحكم لنجله جمال كما تردد، مؤكداً أنه تنحى لحفظ دماء المصريين.
وقال الدقاق في حديثه عن حوار هاتفي جرى بينه وبين الرئيس الأسبق: “لقد سألني ذات مرة عن دراستي للتاريخ وكنا نتحدث عما يُشاع عن حكاية التوريث وكان يضحك ساخراً ويقول لي: أنا أخاف من حكم التاريخ ولن أجعله يُدينني”.
أديت واجبي تجاه شعبي وأثق بوعيه
وفي اتصال هاتفي أجراه بالصحافي مجدي الدقاق، رئيس تحرير مجلة “أكتوبر” السابق، أكد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أنه أدى واجبه تجاه شعبه وأنه يثق بوعي هذا الشعب، مؤكداً أنه كان يقصد الكثير بعبارته الشهيرة في آخر خطاب له قبل تنحّيه عن الحكم وهي “أن التاريخ سيقول كلمته”، وكان مدركاً وواثقاً من معنى هذه العبارة.
وعن هذه المحادثة الهاتفية يروي رئيس تحرير مجلة “أكتوبر” السابق، والذي خصّه مبارك بالحديث الهاتفي، التفاصيل لـ”العربية نت”، قائلاً: “الأحد الماضي وفي تمام العاشرة مساءً وأنا جالس بعد يوم عمل شاق على مقهى شعبي في وسط القاهرة، رنّ هاتفي المحمول من رقم هاتف محمول عادي جداً، فأجبت، وكان هذا الحديث:
نصّ المقابلة الهاتفية:
أستاذ مجدي معنا، قلت نعم أنا مجدي، فجاء صوت الطالب: أنا العميد (…)، انتظر معنا قليلاً الرئيس مبارك يريد الحديث معك، وجاءني صوت مبارك هادئاً قائلاً: إزيك يا مجدي عامل إيه، قلت بانفعال متأثراً بلفتته الكريمة: إزي حضرتك سيادة الرئيس،
أشكرك على اتصال سيادتك.
أنا كويس يا مجدي أخبارك إيه وإزي أسرتك؟
بخير سيادة الريس المهم حضرتك، أنا ممتن لهذه المكالمة أشكرك سيادة الرئيس، مصر معك وشعبها الأصيل لن ينسى دورك الوطني، والأغلبية تعرف قدرك، وتعتبرك رمزاً تاريخياً للبلد ولن تنسى ما قدمته لبلدك أبداً.
قال الرئيس بصوت هادئ وقانع: “لقد أديت واجبي تجاه شعبي يا مجدي، وأنا أثق بوعي الشعب، وقلت من قبل إن التاريخ سيقول كلمته.
أشكرك سيادة الريس، وأطمع في لقاء معكم.
خلاص يا مجدي هابقى أخليهم يرتبوا الزيارة، إن شاء الله ألف سلامة.
الدقاق: مبارك أكد أن مصر لن تُحكم من البيت الأبيض
وأضاف الدقاق، مواصلاً الحديث مع “العربية نت”: “إلى هنا انتهت المكالمة لكن لم يكن هذا الاتصال هو الأول بين الرئيس مبارك وبيني، فهناك عشرات الاتصالات خصني الرئيس بها على مدى 10 سنوات، حتى قراره الوطني بتخليه عن موقعه كرئيس للجمهورية، وكان آخر اتصال بي قبل تخلّيه عن السلطة بعشرة أيام، وتحديداً في أوائل فبراير 2011 عندما علمت أنه طرد المبعوث الأميركي غاضباً ورافضاً طلب أوباما له الرحيل عن الحكم، مؤكداً أن البيت الأبيض لن يحكم مصر، وأنه لن يستجيب إلا لإرادة الشعب المصري”.
وأوضح مجدي بقوله: “يومها كشفت عن هذه الواقعة على قناة “العربية” بعد حدوثها بساعة واحدة، وبعد تعليقي اتصل بي مكتب الرئيس ليبلغني أن الرئيس سيحدثني الآن، فهنأني على دقة معلوماتي، وأوضح لي جانباً مما دار، وشكرني على دفاعي عن السيادة الوطنية ورفضي للتدخل الأميركي، وقال مازحاً: “قل لي كيف علمت بما حدث؟ فقلت له بأدب واحترام يليق بالحديث مع رئيس مصر: سيادة الريس نحن تلاميذك، وأنت من سمحت لي بالاتصال أكثر من مرة لمعرفة مواقف ورؤى كثير من القضايا، فضحك الرئيس، وهو يعلم أن أحد مصادري كان أحد العاملين في مكتبه وبتعليمات شخصية منه”.
وأشار الدقاق الى أن مبارك كان أحياناً يتدخل بنفسه لتوضيح أشياء تتعلق بالموقف الخارجي أو الداخلي، بل يكلفني بالحديث عنها وتوضيح الموقف المصري، وحدث ذلك عشرات المرات، سواء عن طريق الهاتف، أو اللقاء المباشر، أو الحديث مع شخصيات مكلفة بهذا الأمر منه.
وسجل مجدي بقوله: “بعد هذه المكالمة لم يحدث أي اتصال بيننا، ولم أستطع زيارة الرجل، ولكنني أرسلت له عدة رسائل شفهية مجملها تحية وتقدير، وأن مصر وشعبها لن ينسى دوره الوطني أبداً”.
حفظ دماء المصريين
وفي سياق متصل، أوضح الدقاق أن “مبارك فضل التخلي عن الحكم حفاظاً على دماء المصريين، بعد أن أدرك طبيعة المؤامرة الهادفة لإسقاط الدولة ومؤسساتها، ورفض عروض السفر للخارج، مفضلاً العيش والموت في بلاد أحبها وتربى فيها وأفنى عمره في خدمتها والحفاظ على أمنها وسيادتها”، على حد قوله.
وقال الدقاق “الذي أعرفه أن الرجل لا يشعر بأي غضاضة تجاه ما يتعرض له من حملات تستهدف ما أداه طوال فترة عطائه الوطني، مفضلاً أن يقدم نموذجاً لتضحيات المقاتل من أجل بلده وشعبه، ورجل الدولة الذي أقسم على حماية تراب بلاده”.
يُذكر أن الدقاق تولى رئاسة تحرير مجلتي “الهلال” و”أكتوبر”، وكان مقرباً من الرئيس مبارك ودوائر صنع القرار، وكان الأكثر حضوراً في الدفاع عن المواقف المصرية في وسائل الإعلام، ورفض عروضاً كثيرة للهجوم على مبارك ونظامه، ولذلك تم منع مقاله الأسبوعي في صحيفة “الأهرام” والذي كان يكتبه أسبوعياً طوال 6 سنوات.