يثير التقارب المفاجئ بين إيران والولايات المتحدة مخاوف العديد من دول المنطقة، لاسيما دول الخليج، فقد ظلت العلاقات الأميركية الإيرانية متوترة أحياناً وغائبة أحياناً كثيرة، حتى فاجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما الجميع باتصال هاتفي، مساء الجمعة، مع نظيره الإيراني حسن روحاني، في إطار الجهود الدبلوماسية الرامية لإيجاد حل بشأن المخاوف المتعلقة ببرنامج إيران النووي.
اتصال أوباما وروحاني وزيارة الأخير لأميركا ولقاءاته التلفزيونية هناك فتحت عاصفة من التساؤلات أبرزها “هل سيؤثر ذلك التقارب في العلاقات الإقليمية العربية بإيران؟ وقبل هذا التساؤل هل بالفعل نحن على طريق التقارب الأميركي الإيراني؟.
حاولت “العربية.نت” استطلاع آراء بعض الخبراء والمحللين لمعرفة ما إذا كان سيصب هذا التقارب في مصلحة دول بعينها، وبالأخص الدول الخليجية.
“الصفقة الكبرى”
من جهته، وفي تدوينة له باللغة الإنجليزية، قال الدكتور محمد البرادعي، نائب الرئيس المصري السابق للعلاقات الدولية، السبت الماضي: “إن الحوار بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بمثابة مفتاح استقرار لمنطقة الشرق الأوسط واصفاً إياه بـ”الصفقة الكبرى”.
وأشار البرادعي “إلى أن الحوار بين الأميركيين والإيرانيين ظل على طاولة المفاوضات لسنوات وشهد فشلاً”، داعياً في الوقت نفسه السياسيين في البلدين إلى عدم تفويت الفرص.
إلا أن الدكتور إبراهيم النحاس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود، يرى أن الأمر يدعو للقلق إذا لم يكن لدول الخليج أي اطلاع على الاتفاقية التي سوف ستحكم العلاقة الأميركية – الإيرانية فيما يتعلق بشكل مباشر بالملف النووي الإيراني.
وأضاف: “الخليجيون يجب أن يقلقوا لأنه قد تكون هناك اتفاقيات على حساب دول الخليج فيما يتعلق بأمن الخليج وإدارة منطقة الشرق الأوسط في المرحلة القادمة.
هذا كله سيؤثر سلباً على الأمن الخليجي وخاصة في ظل غياب قوة عربية مساندة في ظل وضع مصر حالياً، وكذلك غياب الدور العربي المساند للمملكة بشكل مباشر كدولة رئيسية، وكذلك في ظل التباعد السعودي التركي حالياً، لذلك يجب على الخليجيين أن يقلقوا”.
وأشار قائلاً: “على الخليجيين أن يقلقوا وخاصة أن الولايات المتحدة قد تريد الاستفراد في الملف النووي الإيراني بعيداً عن دول مجموعة 5 +1”.
ولفت النحاس إلى أنه “إذا كانت هذه العلاقة لدعم الاستقرار في منطقة التعاون الخليجي وإيقاف التدخلات الإيرانية في شؤون الخليجيين وتهدئة الملفات الساخنة. وكسب حليف أميركي للضغط على إيران بعد الصداقة معها، فهذا يجعل الخليجيين مطمئنين”.
وأضاف: “ومما سيطمئن الخليجيين هو تهدئة ملفات مثل الحد من التدخلات وإثارة النزعة الطائفية وعدم التدخل في اليمن وعدم التدخل في سوريا ليختار السوريون ما يريدون. هذه جوانب تدعو مجلس التعاون للارتياح ومساندة هذا التوجه الى حد ما ولكنه يحتاج لحراك دبلوماسي ضخم جداً من قبل مجلس التعاون”.
انقسام خليجي
وأشار النحاس إلى أنه من دواعي عدم الارتياح الانقسام الخليجي في المواقف حول مصر مثلاً، مضيفاً: “هناك غياب موقف موحد.. ثلاثة مواقف خليجية متفرقة فالمملكة والإمارات والبحرين في اتجاه وقطر في جهة وعُمان محايدة. هذا يدعم فرص اختراق الأمن الخليجي. فالتقارب الأميركي الإيراني قد يدعم بتأييد قطري مثلاً داعم للموقف الإيراني مما يخترق الأمن الجماعي الخليجي”.
واعتبر النحاس أنه وبشكل عام وبنسبة 60% أو أكثر التقارب الأميركي الإيراني يدعو للقلق خاصة في ظل الأوضاع العربية حالياً وعدم استقرار المنطقة”.
وشدد النحاس على أن دول مجلس التعاون يجب أن تبدأ فوراً بـ”التفاهم بشكل مباشر مع الأميركيين حول هذا التقارب وألا يتم على حساب الأمن الخليجي.
الأميركيون في النهاية يسعون لمصالحهم، والإيرانيون أيضاً أذكياء جداً وحريصون على مصالحهم وقد يستغلون الأمر وإن لم يفعل الأميركان”، مؤكداً أن “الإيرانيين أيضاً لهم من يدعمهم حتى في داخل أميركا وهم قارئون جيدون للوضع السياسي ولهم نفوذ في مراكز أبحاث وفي جامعات أميركية. وقد يستغلون الوضع لتحييد الأميركيين”.
الثقل السعودي
واستبعد النحاس أن تساوم أميركا على علاقتها مع السعودية في المدى القريب، مؤكداً أن ذلك “وارد جداً على المدى الطويل.. من 10-20 عاما. “المملكة ثقل دولي كبير ولن تؤثر فيه أميركا لكن على المدى البعيد قد تستخدم أميركا تقاربها مع إيران للضغط على المملكة في ملفات عديدة مثل حقوق الإنسان.. وملف الشيعة.. ومفهوم الأمن الخليجي.. والحدود مع اليمن.. والعراق والموقف في سوريا.. وأميركا لديها نفس طويل بالفعل”.
وحذر النحاس من ذكاء الإيرانيين وأنهم على استعداد لإعطاء أميركا مالا تقبل به المملكة: “مثل القضية الفلسطينية والتضحية بها وكذلك الأمن المصري”، واصفاً الإيرانيين بأنهم “مستعدون للتضحية بأي شيء مقابل الحفاظ على الثورة الإيرانية وخدمة المشروع الطائفي”.
تقارب في صالح الجميع
من جهة أخرى يرى الدكتور أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، أن الواقع يؤكد أن “الولايات المتحدة تريد للشرق الأوسط أن يبقى مستقراً بعكس إيران. ولكن إذا جاء من إيران من يريد الاعتدال فيجب أن تتاح له الفرصة”.
وأضاف: “الولايات المتحدة الآن مع أوباما غيرت لأسلوب القوة الناعمة. وأيد خامنئي روحاني ليقوم الأخير بتوطيد علاقات ألطف مع خصوم إيران. فوصف روحاني المملكة بالشقيقة والصديقة”.
وأشار عشقي إلى أنه: “ليس على السعودية والخليج أن يخشوا هذا التقارب، لأن اعتدال إيران في صالح الجميع.. وأيضاً سيؤدي ذلك لترك التدخل في شؤون الخليج وعدم نشر التشيع وعدم تأجيج الصراع المذهبي.. وكذلك حل مشكلة الجزر الإماراتية”.
ولفت إلى أن “إيران الآن وافقت على تدمير الكيمياوي السوري كما طلبت أن تدخل في “جنيف-3” وهذا يقتضي موافقتها على “جنيف- 2 وجنيف-1″ الذي من شروطه الموافقة على تنحية بشار الأسد من الحكم. فإذا وقعت على ذلك فهذه موافقة وتغيير واضح في السياسية الإيرانية”.
ويضيف عشقي: “لا إشكاليات متوقعة من التقارب الأميركي– الإيراني على الخليج ودوله.. وغير صحيح ما يردد البعض أن هناك علاقات مخفية بين الطرفين وظهرت للعلن الآن. والذين يقولون ذلك بنوه على التعاون الإيراني الأميركي في أفغانستان والعراق وهو تعاون تكتيكي.. البعض لا يفرق بين العلاقات الاستراتيجية والعلاقات التكتيكية.. الآن لا توجد دولة عدوة 100%”.
وأشار إلى أن “الرئيس الأميركي نفسه بمجرد البدء في هذا التقارب عقد مؤتمراً صحافياً وأكد فيه أن بلاده لم تخطو في هذه الخطوة إلا بعد التنسيق مع الأصدقاء في دول مجلس التعاون الخليجي. الولايات المتحدة لا تستطيع التخلي عن المملكة فالأخيرة هي التي تحافظ على التوازن الاقتصادي العالمي”.
أي اتفاق يجب أن يمر عبر دول الخليج
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد عباس ناجي، الخبير في الشأن الإيراني بمركز الأهرام للدراسات السياسية، لـ”العربية.نت” أن أي تقارب إيراني أميركي “لابد أن يتم عبر دول الخليج، واذا ما تم اتفاق منفرد بين واشنطن وإيران دون اتفاق خليجي فلن يكون لذلك الاتفاق أي أصداء إيجابية”.
وأوضح ناجي ذلك أكثر بقوله “إنه من الواضح حتى الآن أن أميركا تسعى لاتفاق منفرد بينها وبين إيران للتخلص من الملف النووي الإيراني ولكن أزمة هذا الملف لا تخص واشنطن وحدها، فمفاعل “بوشهر” الإيراني مثلاً أقرب منه إلى دول الخليج من إيران نفسها، كما أن أميركا إذا توصلت إلى اتفاق منفرد بشأن الملف النووي الإيراني فستحصل إيران على براءة ذمة من هذا الملف علماً بأن النووي الإيراني خطر على دول الخليج أيضاً”.
وشدد ناجي على أنه لن تمر أي اتفاقات أميركية إيرانية قبل تسوية القضايا الخلافية بين إيران ودول الخليج مثل أزمة “الجزر الإماراتية الثلاث”، وغيرها من القضايا وعلى رأسها الدعم الإيراني لنظام الأسد في سوريا، ولهذا فأي تقارب محتمل بين إيران وواشنطن لابد أن يمر عبر دول الخليج وإلا فلن يكون لهذا الاتفاق أي مردود إيجابي في المنطقة”.
هذا وقال الدكتور حسن أبو طالب، خبير العلاقات الدولية ورئيس معهد الأهرام الإقليمي، “إنه من الصعب وصف ما يجري الآن بين واشنطن وإيران بأنه تقارب علاقات، ولكن يمكن أن نقول إن الولايات المتحدة تحاول أن تستغل رغبة الرئيس الإيراني في التواصل مع الغرب وطرح برنامج إيران النووي للتسويق بما يساعد أميركا على إنجاز شيء في عهد أوباما في هذا الملف والتخلص منه وهذا بالتأكيد سيفتح مجالاً أوسع للعلاقات الأميركية الإيرانية”.
وتوقع أبو طالب أن تستمر مرحلة التقارب الأولية بين طهران وواشنطن على مدى نهاية العام الجاري حتى منتصف العام المقبل وبعد هذه المدة يمكن أن تصل مرحلة التقارب إلى خلق حالة حوار بين الطرفين حول كل المشكلات الموروثة بينهما”.
وشدد أبو طالب على أن العلاقات الأميركية الإيرانية ما زالت في خطواتها الأولى وربما تتبعها خطوات نحو التقدم في هذه العلاقات، مشيراً إلى أنه لولا الضغوط الأميركية والعقوبات الذكية التي فرضتها على إيران ما كان للإيرانيين رغبة أو قابلية للحوار”.
طبعا لابد ان يمر تقارب امريكا وايران عبر دول الخليج بان توافق عليه مهما كان الثمن فهي دول تابعة…