يسير الاقتصاد السوري منذ بداية الأزمة في البلاد وبصمت مطبق نحو هاوية سحيقة، إذ يبدو أن فاتورة عامين من الصراع كانت باهظة بالنسبة لاقتصاد يرتكز بالأساس على دعائم هشة.
وفي ظل احتكار المعلومات من قبل السلطات السورية والضبابية حول التغيرات التي أصابت بنية الاقتصاد السوري خلال الفترة الأخيرة، برزت بعض التقديرات المتفاوتة حول حجم خسائر البلاد الاقتصادية جراء الصراع الدائر تراوحت بين 48 و200 مليار دولار، فيما تقدر تكلفة إعادة إعمارها بـ200 مليار أيضا.
وبينما تهوي الليرة السورية بوتيرة سريعة فإن القطاعات الاقتصادية الأساسية أصيبت بالشلل، الأمر الذي يزيد من تعقيد عملية التعافي الاقتصادي في مرحلة ما بعد سقوط النظام.
في ظل الأزمة
يعتبر الاقتصاد السوري اقتصادا هشا حيث ترتكز 60% من موارد الموازنة السورية على الضرائب، فيما يأتي الباقي من الفوائض الاقتصادية كالأرباح الضعيفة لبعض الشركات المملوكة للدولة وعائدات النفط.
وفي ظل امتناع معظم السوريين عن دفع الضرائب منذ اندلاع الثورة قبل ما يقارب السنتين ماعدا من هم مضطرون لذلك لظروف أمنية، فضلاً عن إعفاء الشركات من التزاماتها الضريبية بعد توقف عجلة النشاط الاقتصادي، تكون الخزينة السورية قد فقدت مئات المليارات من الليرة السورية كعائدات من الضرائب.
قال عضو لجنة الموازنة في مجلس الشعب السوري سابقا عماد غليون: “كان مقدرا في 2011 حصول الخزينة السورية على 340 مليار ليرة من الضرائب لم يأت منها سوى 7 مليارات بحسب البيانات الرسمية”.
الاحتياطي الأجنبي
وفيما يخص احتياطي سوريا من النقد الأجنبي الذي توقع معهد التمويل الدولي نفاده مع نهاية 2013 يقول غليون: “قبل الثورة بعامين كانت الحكومة السورية تتحدث عن وجود 17 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي لدى الدولة، ومع بداية الثورة قاموا بتكرار الرقم نفسه ما يدل على أنه مضلل وغير دقيق خاصة إذا ما احتسبنا العجز الذي تخلقه عملية تغطية دعم المواد الأساسية والمشتقات النفطية التي تستورد سوريا نصف حاجتها منها”.
من ناحية أخرى، يرى غليون أن “صمود الليرة السورية رغم فقدانها لنصف قيمتها أمام الدولار منذ اندلاع الثورة لم يكن واقعيا، حيث قام النظام السوري بضخ الأموال للمحافظة على سعر العملة السورية، كما قام بالضغط على رجال الأعمال من أجل ضخ السيولة بشكل يومي في السوق للمساعدة في تثبيت سعر صرف الليرة قدر الإمكان والتخفيف من سرعة انهيارها”.
من جهة أخرى، خففت المناطق الثائرة العبء عن كاهل النظام السوري بعدما تملص من دفع مخصصاتها، فمناطق مثل إدلب وريف حلب وجزء من حمص لم تعد تتلقى شيئا من الحكومة السورية.
اقتصاد ما قبل الثورة
يعزو عماد غليون هذا التدهور السريع إلى هشاشة بنية الاقتصاد السوري، ويقول: “في الخمسينيات والستينيات كان الاقتصاد السوري أكثر متانة لاعتماده على الإنتاج والصناعات التحويلية بالإضافة إلى الزراعة، أما في السنوات الأخيرة أو ما أطلق عليه “الانفتاح الاقتصادي” أصبح اقتصادا ريعياً يقوم على الخدمات فضعفت موارد الدولة”.
يضيف غليون :”اتجهت رؤوس الأموال الجديدة التي نشأت من خلال رجال الجيش والأمن وشركائهم من رجال الأعمال الجدد نحو مشاريع تدر أرباحا سريعة كالصناعات الاستهلاكية البسيطة بالتالي فهي لم تساهم في بناء اقتصاد حقيقي في سوريا”.
ويشير عماد غليون إلى أنه بالإضافة إلى العقوبات الدولية التي فرضت على سوريا والتي أثرت بشكل كبير على قطاعات اقتصادية عدة، كانت شركات القطاع العام تتسبب في خسائر ضخمة وتستنزف أموالا طائلة من خزينة الدولة بسبب الفشل المتواصل في إعادة هيكلتها. ويضيف: “في الوقت الذي كانت تتباهى فيه الحكومة السورية بعدم حاجتها لأي دين خارجي كان الدين الداخلي في ازدياد مستمر حتى تجاوز 60% من الناتج القومي”.
وقد ظهرت في سوريا عائلات فاحشة الثراء تتلقى الدعم الدائم من النظام السوري حتى باتت تستحوذ على مقدرات تفوق مقدرات الدولة نفسها، فيما زاد اتساع الفجوة بينها وبين بقية فئات الشعب السوري الذي ارتفع معدل الفقر في صفوفه ليصل إلى 30% قبل اندلاع الثورة.
تحديات ما بعد سقوط النظام
يظهر من مؤشرات عدة أن أمام الاقتصاد السوري تحديات جمة لاستعادة عافيته فعادة ما يترافق سقوط الأنظمة مع انهيار العملة الوطنية، إذ يتوقع عماد غليون أن يتجاوز سعر صرف الليرة السورية 200 مقابل الدولار.
وإلى جانب النفقات الضخمة التي تتطلبها إعادة الإعمار تنتظر النظام البديل في سوريا ملفات صعبة في ظل توقعات بأن يتجاوز معدل الفقر والبطالة 50%، وعلى رأسها تلك المرتبطة بإطفاء الآثار الاجتماعية للثورة كملف المهجرين واللاجئين والنازحين الذين سوف يطالبون بتعويضات، فضلا عن ملف العديد من الجرحى والمعاقين الذين لم يعودوا بحاجة إلى تأمين وظيفة بل إلى تأمين الدعم.
يقول عماد غليون: “إن سوريا بلد واعد لكن للخروج من الأزمة الحالية فإنه بحاجة إلى مشروع مارشال جديد، فلا يمكن الحديث عن نهوض اقتصادي سريع في سوريا بعد كل ما لحق بالبلاد من دمار ما لم تتم استعادة بنية ومؤسسات الدولة”.