صوته هادئ يبعث على الطمأنينة، أحيانا ترتسم ابتسامة خفيفة على وجهه عندما يتذكر يوم نجاته، لكن وطوال المقابلة كان أحمد بريمو يتوقف عن الحديث ليأخذ نفساً عميقاً، وهو يحكي تفاصيل اعتقاله لدى تنظيم داعش في السادس عشر من نوفمبر عام 2013 وحتى هروبه في الثامن من يناير عام ٢٠١٤ وكأنه يسترجع كابوسا يعيش لحظاته.
عشرات من الناشطين السوريين الذين عملوا في مجال الإعلام أو الإغاثة وغيرهم اختطفوا على أيدي رجال ملثمين جاءوا إلى بيوتهم واقتادوهم تحت تهديد السلاح الى أماكن مجهولة.
العشرات منهم تم إعدامهم ميدانياً وآخرون اختفوا ولم يعثر لهم على أثر. وحسب منظمات حقوق الإنسان، فإن تنظيم داعش يعتبر من أكبر التنظيمات المسلحة التي تعمل على الأرض السورية، وهو مسؤول عن انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان ترقى إلى جرائم حرب.
قصة أحمد بريمو لا تختلف عن حكايات وقصص الناشطين السوريين الذين ثاروا ضد نظام الرئيس بشار الأسد ووجدوا أنفسهم في سجون داعش، لكن العديد منهم يفضل الصمت على الحديث عن تفاصيل الاعتقال خوفا على حياتهم أو حياة أسرهم، فتنظيم داعش لا يعترف باختطافه لأي ناشط سوري، لكن وحسب روايات شهود عيان، كان هؤلاء النشطاء أسرى لدى التنظيم في أشهر سجن في مدينة حلب وهو مستشفى العيون، والذي حوّله داعش الى غرف حبس انفرادية وجماعية تحت ظروف اعتقال لا تصلح للعيش الإنساني، وما يرويه السجناء يشابه حالات التعذيب التي يمارسها النظام السوري وأحيانا يفوقها، حسب ما يقول أحمد.
بدأت حكاية أحمد بريمو عندما كان من المعارضين لوجود التنظيم في مدينة حلب منذ بداية ظهوره.
يقول إنه كان يكتب علنا ضدهم وقام مع زملاء له بتنظيم اعتصام بعد اختطاف ومقتل صحافي يدعى محمد سعيد، حيث دعوا الى اجتماع عاجل من اتحاد الصحافيين في حلب، وبعد أقل من يومين تم اختطاف أحد الأعضاء و هو مؤيد سلوم من قبل ملثمين، ووجه الاتحاد أصابع الاتهام الى تنظيم داعش الذي كان متواجدا في المنطقة، وعندما ذهب أهالي المختطفين إلى مراكز التنظيم، كان قادة داعش ينكرون أي صلة لهم بالخطف أو باختفاء العديد من الصحافيين. وخلال أسابيع كان معظم أعضاء الاتحاد إما معتقلين أو مفقودين من قبل التنظيم . ويقول أحمد إنه وبعد أسبوع من الاحتجاج على مقتل محمد سعيد جاء رجال مسلحون وملثمون واعتقلوه من بيته وقادوه الى مستشفى الأطفال في حلب.
تفاصيل الاعتقال
ويروي أحمد تفاصيل اعتقاله، ويقول إنه تعرض لضرب قاس. أما التهمة التي وجهت له فهي أنه إعلامي وكان يحرض ضد التنظيم.
53 يوما قضاها أحمد في سجون داعش فقد خلالها ثلاثين كيلوغراما. وهو يصف ظروف سجنه ويقول إن مساحة الغرفة أربعة أمتار بثلاثة أمتار، وكانت تحوي 40 معتقلا، بلا تدفئة أو بطانيات، وكان النوم على الأرض، ولم تكن هناك مراحيض، وكان يسمح للمعتقل بقضاء الحاجة مرة أو مرتين في اليوم لمدة خمسة عشرة ثانية.
كنا حفاة القدمين والمراحيض لا تصلح للاستعمال. أما الطعام فقد كنا نتناول كل يوم رغيف خبز واحد وعدد من حبات الزيتون والقليل من الجبن. والغرفة فقد كانت تحوي فتحة صغيرة فقط للتهوية مما أثر على عدد من المعتقلين، وخصوصا مرضى الربو الذين يعانون من مشاكل في التنفس.
أما بالنسبة للتعذيب، فقد كان أقسى وأشد من تعذيب النظام على حد وصفه، فقد مر أحمد بتجربة اعتقال مع النظام ثلاث مرات يقول، “داعش يستخدم نفس طرق التعذيب، مثل الشبح وهو تعليق المعتقل من اليدين من الأعلى، واستخدام الكهرباء وربطها بأماكن حساسة من الجسد، عدا عن التهديد بالقتل، ويضيف أحمد “كان النظام يقوم بالشبح لمدة تتراوح الى عشرين دقيقة ولكن تنظيم داعش يبقي الأشخاص مشبوحين لأيام وليالٍ الى درجة أن البعض فقد القدرة على استخدام أذرعه وأدى إلى الشلل أو الوفاة، أما التعذيب بالكهرباء فمن المفروض أن يكون حسب معايير لا تؤدي الى الجلطة الدماغية أو القلبية. التعذيب عند داعش كان يمرر من القابس الى الجسم وفي أماكن حساسة مما أدى إلى موت عدد كبير”.
الذين كانوا يقومون بالتعذيب هم سوريون، لكن القضاة كانوا اجانب او ما يطلق عليهم التنظيم باسم المهاجرون. كان هناك قاض مغربي والآخر سعودي حسب ما يذكر احمد. كل السجناء كانوا يعذبون دون استثناء وبغض النظر عن التهم الموجهة لهم. ففي غرف التنظيم، فإن الاعتراف مهم حتى يستطيعوا تطبيق الحد على السجناء و من ثم يتم إعدامهم، وحسب شهادات بعض السجناء فقد اجبروا على الاعتراف بالسرقة او الاغتصاب او العمالة للنظام تحت وطأة التعذيب.
وذكر احمد ان السوريين الذين كانوا يقومون بالتعذيب كان لبعضهم سوابق إجرامية ووجدوا في داعش وسيلة لممارسة التسلط او الأخذ بالثأر لتحقيق مطامع شخصية تحت غطاء ما يسمى بالجهاد .
اما عن التعذيب النفسي، فيقول احمد كنت أسمع أصوات السجناء وهم يستغيثون من وطأة التعذيب، كثيرون لم يعرفوا حتى التهم الموجهة لهم. وكان المعتقل الوحيد بين المجموعة الذي تم تعصيب عينيه والإبقاء عليه مقيدا بأمر من ما يسمى بوالي حلب، عمر العبيسي، الملقب أبو الأثير.
أحداث دراماتيكية يرويها أحمد قبل يوم من موت محقق، ففي الثالث من يناير عام ٢٠١٤ ، كان قادة التنظيم يقرأون أسماء على لائحة للسجناء يُقتادون الى خارج الزنازين حيث يتم إعدامهم، لكن وبتدخل من العناية الإلهية، كما يقول احمد، تمت مهاجمة المقر من قبل كتائب تابعة للجيش الحر في الرابع من يناير. كانت هناك أصوات اشتباكات، وقذائف سقطت في محيط السجن، الأمر الذي أدى الى مقتل قائد مهم في داعش انسحب على إثر التنظيم، كما يذكر احمد، من الموقع. بعد فترة هدوء غير معتاد، قام السجناء بكسر ابواب الزنزانات وإطلاق سراح كل السجناء الذين فروا الى مقبرة قريبة و منهم احمد الي ان وصولوا الي اماكن تحت سيطرة الجيش الحر.
الآن ومثل كثيرين من الناشطين السوريين يعيش أحمد في تركيا بسبب داعش والنظام باحثاً عن الأمان المؤقت، لكن كابوس الاعتقال لا يزال يلاحقه.
هههههههههههههههه
قال جيش حر قال.