منذ السادس من يونيو/حزيران الجاري، سيطر تنظيم دولة الإسلام في العراق والشادم والمعروف اختصارا باسم “داعش” على النصف الغربي من مدينة الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية، والمركز السياسي والاقتصادي لمحافظة نينوى.
وشق مئات المقاتلين من داعش طريقهم من المناطق الصحراوية المجاورة إلى قلب مدينة الموصل.
وانهارت الروح المعنوية لجنود الجيش العراقي بشكل درامي، على الرغم من تفوقهم العددي الكبير على مقاتلي داعش بمقدار 1 إلى 15.
وبحلول التاسع من يونيو/حزيران، سيطر داعش على المجلس المحلي للمدينة والمكاتب التابعة للمحافظة، والسجون الشديدة الحراسة والمقار الأمنية الاتحادية، ومحطات البث التلفزيوني والمطار الدولي بالمدينة.
والآن يتعين على الحكومة العراقية الاتحادية تجميع قواتها لشن هجوم مضاد.
وخلافا للوضع في الفلوجة، التي سيطر عليها مقاتلو داعش في يناير/ كانون الثاني الماضي، فإنه من الضروري تطويق الموصل ومحاصرتها.
هجوم بسيط
وتعد الموصل بشكل غير رسمي – علاوة على أنها ثاني أكبر المدن العراقية – العاصمة السياسية والاقتصادية للعراق السني.
ويعيش في المدينة، التي يبلغ عدد سكانها نحو 1.8 مليون نسمة، غالبية عربية سنية من بينهم نحو 7 آلاف ضابط و100 ألف جندي سابق بالجيش العراقي إبان حقبة الرئيس الراحل صدام حسين.
وفصل معظم هؤلاء الضباط والجنود من الخدمة في إطار سياسة اجتثاث حزب البعث، التي هدفت إلى التخلص من أنصار صدام حسين عقب إزاحته عام 2003.
ومن أبرز الشخصيات التي تنتمي لمدينة الموصل رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، وشقيقه أثيل النجيفي محافظ نينوى، وهما من أرفع القيادات السياسية السنية في العراق.
وتقع الموصل بالقرب من الملاذات الآمنة للمسلحين في سوريا وصحراء غرب العراق، ولعبت لفترة طويلة دورا رئيسيا في تقديم الدعم اللوجيستي وجمع التبرعات لتنظيم القاعدة في العراق وخليفته داعش.
وجعل هذا العامل من السهل نسبيا على داعش أن تتدفق بمقاتليها على الضواحي الغربية للموصل في السادس من الشهر الجاري.
وعشية ذلك الهجوم شن نحو 200 من مقاتلي داعش هجوما على مدينة سامراء، التي تقع على بعد 250 كيلومترا جنوبا، ولكن تم صد هذا الهجوم ووقفه جنوب شرقي المدينة، بعد وصول تعزيزات من القوات العراقية ومروحيات مقاتلة.
لكن قوات داعش حققت نجاحا أكبر في الموصل، حيث نجحت في كسر الروح المعنوية للقوات الحكومية، وحققت تقدما ملحوظا خلال ثلاثة أيام من المعارك الضارية غربي المدينة.
وسيبذل الجيش العراقي بلا شك جهودا لاستعادة توازنه، واستعادة المواقع العسكرية والسياسية في الموصل، بينما ستعمل داعش على تعزيز مواقعها هناك.
نقطة تجميع؟
وأطلق محافظ نينوى أثيل النجيفي نداء يائسا في ليلة التاسع من يونيو/ حزيران لمواطني الموصل، لاستخدام أسلحتهم الشخصية وتشكيل مليشيات دفاع ذاتي في مناطقهم في محاولة لوقف تقدم داعش.
وستكون الخطوة القادمة هي إعادة تجميع الوحدات العسكرية التي تفككت، بما في ذلك الوحدات التي شهدت خلع الجنود وأفراد الشرطة لزيهم العسكري وتخليهم عن عرباتهم وأسلحتهم وأماكن خدمتهم.
وسيتم إرسال قوات مدرعة ومدفعية وقوات جوية إلى الموصل من أجل هذه العملية، على الرغم من أن تجميع كل هذه القوات يمثل صعوبة متزايدة، بسبب الهجمات المتصاعدة التي تشنها داعش في ضواحي بغداد، ومدن مثل الرمادي وسامراء وطوزخورماتو والشرقاط والموصل.
ويعد المصدر الوحيد للإمداد بالقوات الجاهزة في العراق هو القوات التابعة لحكومة إقليم كردستان العراق “البشمركة”، وتتمثل هذه القوات في قوات مشاة وبعض قوات مدفعية مزودة بعربات مدرعة.
وكانت قوات البشمركة قد تقدمت مؤخرا باتجاه المناطق المتنازع عليها بين حكومة بغداد وحكومة الإقليم، وقامت بتأمين المناطق الواقعة شرقي نهر دجلة من مدينة الموصل.
وربما يكون السبيل الوحيد أمام حكومة بغداد لكسب تأييد حكومة كردستان، وضمان مشاركتها في معركة تطهير غربي الموصل هو تقديم تنازلات لها في قضايا مثل السماح لها بحرية تصدير النفط من الحقول الواقعة بالإقليم، وتقاسم العوائد بين الحكومتين.
ومن ثم تكمن أهمية الموصل في أنها قد تصبح نقطة تجميع للفصائل السياسية العراقية.
وتمثل استعادة الموصل اختبارا لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي في لحظة حرجة يسعى فيها لتجديد تعيينه.
ويحتاج الأكراد إلى حالة من الاستقرار في الموصل، المدينة التي تبعد ساعة واحدة عن أربيل، عاصمة حكومة إقليم كردستان.
ويعيش الكثير من الأكراد في شرق الموصل أو حولها، وتشكل سيطرة داعش على المدينة تهديدا لمنطقة كردستان العراق التي تفخر بتوفير مناخا آمنا للمستثمرين.
موجات الصدمة
وسيعاني قادة العراق السنة من الساسة وزعماء القبائل ورجال الدين أكبر الخسائر من نمو داعش، إذ إنهم أول المستهدفين عند سيطرة الحركة المسلحة على إحدى المناطق، وتشكيل مؤسساتها الجديدة الخاصة بها.
ولكن من وجهة نظر أكثر تفاؤلا، قد تفتح المصالح المشتركة بابا للحوار السياسي، ولتشكيل حكومي أسرع، مما قد يخفف التوترات بين بغداد وحكومة كردستان الاقليمية.
ومن ناحية أخرى قد يعطل الخلاف الدائر بين حكومة المالكي وخصومها الأكراد والعرب، هجوم الحكومة المضاد مما سيسمح لداعش بتعزيز سيطرتها على غرب الموصل.
وإن نجحت داعش في فرض سيطرة صارمة على المدينة فستجدد نجاحها السابق في الاستيلاء على عاصمة إدارية واقتصادية في محافظة الرقة السورية.
بل في الواقع سيكون فرض داعش لسيطرتها في الموصل، التي يزيد عدد سكانها عن المليون شخص، نجاحا أكبر للحركة مما حققته في سوريا، وقد يرسل موجات من الصدمة في المنطقة.
ولهذا السبب يمكننا توقع حدوث قتال شديد في ظل استخدام الحكومة العراقية جميع مواردها – قوات عسكرية، وميليشيات محلية جديدة، وقوة جوية، ومتطوعين شيعيين مدعومين من إيران من ميليشيات جنوبية، وقوات البشمركة الكردية، بالإضافة إلى الدعم الاستخباراتي واللوجيستي من الولايات المتحدة.
إن معركة الموصل تتشكل لتصبح اختبارا حاسما للحيوية السياسية والعسكرية لدولة العراق.
إن حلا سياسيا-عسكريا مدعوما بكل فصائل العراق هو الحل الوحيد الذي سيعيد استقرار الأوضاع، ولكن من المبكر القول إن كانت الحكومة العراقية تدرك هذا الواقع.
مايكل نايتس، زميل في برنامج “ليفر” في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني. عمل في جميع محافظات العراق، وأمضى فترات طويلة مع قوات الأمن العراقية.