قتل أمس الأول الناشط أمجد سيوفي ابن الميدان الدمشقي في مدينة سقبا نتيجة القصف الذي طال المدينة.
وإن كان من رمز للسلمية وللأفكار المبدعة التي جعلت من رجال الأسد وشبيحته في حالة أقرب للجنون في دمشق، فإن أمجد سيوفي سيحمل اللقب وبشهادة جميع من يعرفه ومن سمع وشاهد بعض الأفكار التي أطلق عليها البعض صفة الجنونية، كونها تسببت بحالة هستيريا للنظام في دمشق.
صاحب فكرة إعدام مجسم الأسد
استيقظت دمشق في 25 تشرين الأول/ اكتوبر 2011 على مجموعة مجسمات تمثل عملية تمثيلية لشنق وإعدام بشار الأسد، ليتدلى ذلك المجسم على عدد من جسور المدينة وأنفاقها، وكان أهمها جسر الرئيس في وسط العاصمة، ونفق الثورة ونفق باب شرقي وجسر كفرسوسة – المواساة، ونفق الفحامة وجسر اللوان (كفرسوسة) وجسر الجوزة (كفرسوسة) بالإضافة لجسر الوزان.
وأما صاحب الفكرة فهو الشاب ذو 28 عاماً أمجد سيوفي. يقول صديقه لـ”العربية نت”: “توقف أمجد عن دراسته في كلية هندسة الميكانيك بعد أن كشف أمره وصار مطلوباً، حيث كان من أهم مصوري الثورة،
وأغلب الفيديوهات التاريخية التي صورت بدمشق كانت من تصويره، مثل فيديو مظاهرة الشعلان، واعتقالات ساحة عرنوس، وفيديو الرجل الكبير السن يلي بيحكي وبيبكي تحت جسر الميدان، وكل المظاهرات التي صوّرها كانت مترّخة عربي وإنكليزي بصوته”.
أول طالب أعلن الإضراب
كتب بعض طلاب الجامعات السورية: “سوف يوضع لك يا أمجد مجسم في كل ساحة من ساحات جامعاتنا وسيكتب تحته: الطالب الأول الذي أعلن الإضراب علناً”، ولا يخفى على أحد ما معنى أن تكون طالباً سورياً داخل دمشق وتعلن إضراباً عن طريق اليوتيوب بفيديو صوت وصورة.
ولكن ما لا يمكن تصوره هو حجم الخوف الذي تحمله أمجد وعائلته وأصدقاؤه بعد أن قام بهذه الحركة التي تحتاج لقدر من الشجاعة ربما يفوق تصورات الكثيرين.
سبيكرات الحرية
يقول البعض إن الثورة السورية ولكثرة الدماء التي سالت فيها أصبح من الممكن أن تحمل اسم “ثورة الدم”، ولكن شبابها الذين بدأوا بها أصروا أن تحمل ثورتهم كل ما يمكن أن يسمى “إبداعا”، وهو ذات الإبداع الذي يصيب الأسد ورجاله بلوثة جنونية من الخوف والعنف معاً.
ولعل القبضة الأمنية الحديدية التي مارسها ويمارسها النظام على دمشق العاصمة، جعلت من خروج المظاهرات في بداية الثورة أمراً أقرب للمستحيل، فاضطر سكان وأهل دمشق إلى الاحتيال وابتكار أساليب أخرى لإيصال صوتهم وموقفهم من النظام.
وأما الابتكار الذي تحدث عنه الإعلام فترة طويلة، وجعل سكان العاصمة يتساءلون عن صاحب هذه الفكرة العبقرية، فهو ما سمي “سبيكرات الحرية”، وهي عبارة عن مسجلة مع مكبر للصوت يوضعان بأماكن مزدحمة وتنطلق منهما أغنية القاشوش “يلا ارحل يا بشار”، ولعل الأماكن الحساسة التي وضعت فيها سبيكرات الحرية فاجأت النظام كثيراً، إذ إن المرة الأولى التي صدح بها القاشوش كانت في منطقة الحريقة، المنطقة الأكثر ازدحاماً في دمشق، وانتقلت السبيكرات إلى كلية التجارة والاقتصاد وإلى جانب العديد من المخافر، وفي مرة من المرات خرج الصوت من داخل مخفر المهاجرين، ولعل الفكرة لم تصب النظام بالجنون فقط، وإنما أعلنت أن دمشق ضد النظام أخيراً.
اختطفه الموت
يختنق صديق أمجد، ويعتذر لغياب صوته، نفهم نحن شعوره ونحاول أن نشيح بأوجهنا كيلا نحرجه أكثر، ولكنه يتابع: “من فترة قليلة زارني، كان على موبايله مخططات رهيبة لأمور ما بتتخيل أنو في حدا ببلادنا ممكن يشتغلها، تخيلت حالي بمصانع أسحلة، بس كان هاد شغل أمجد بذاته.. وكان لديه قميص خاص للتصوير يخبئ فيه كاميرا، وهذه الكاميرا هي موثقة الأحداث وكاتمة الأسرار”.
وإن كان أمجد قتل بقصف النظام قبل عشرة أيام من عيد ميلاده الثامن والعشرين، فإنه بالتأكيد لم يكن الأول الذي يخطف رصاص الأسد حياته، ولكنه الأول الذي أعدم بشار الأسد وأول من أطلق أغاني الحرية في دمشق، وأول من أعلن إضرابه.