احيانا يصل محمد جاسم، وهو طفل سوري، الى مدرسته في بيروت متأخرا، ويبدو منهكا في مطلع اليوم الدراسي، ويعرف مدرسوه السبب، اذ انه يعمل ساعات طويلة بعد ان يغادر مدرسته يقضيها متجولا في شوارع بيروت.
وما يقوم به محمد، كما اخبرني، هو عمل قد يبدو بسيطا للغاية، اذ يشتري وردا من احد المحلات، ثم يقوم ببيعه بسعر اعلى من ثمن الشراء، وما يحصل عليه من ربح يسلمه الى والدته التي تقوم برعاية اسرة من ثمانية ابناء، منهم ست فتيات، بعد ان رحل والدهم منذ عدة سنوات، وبعد ان اضطرت الاسرة لمغادرة مدينة حلب بسبب الحرب. ولكي يتمكن محمد من الحصول على اي مكسب، عليه ان يتجول من شارع الى آخر في بيروت، وان يتحمل مضايقات رجال الشرطة، وان تمتد ساعات عمله، اذا لم يجد من يقبل على بضاعته، الى ساعات متأخرة من الليل، وان يتأثر بالتالي تحصيله الدراسي بعد كل هذه الضغوط.
وعلى الرغم من ذلك، يظل محمد في مقاعد المدرسة، ويظل مرتبطا بمناهج الدراسة، وهو في هذا افضل حالا من آلاف الطلبة من ابناء اللاجئين السوريين في بيروت الذين لا يجدون سبيلا لمواصلة التعليم، كما يوضح هاني جسري مدير برنامج تعليم اللاجئين اضغط هنا بمؤسسة “جسور” الخيرية التي يدرس بها محمد.
ويضيف هاني انه بعد ان تجاوز عدد اللاجئين السوريين في لبنان رقم المليون لاجئ، ويتزايد العدد باستمرار، اصبح هناك نحو 400 ألف طفل سوري في حاجة الى تعليم على اراضي لبنان، من بينهم حوالي 90 ألف طالب تم استيعابهم في المدارس الحكومية، وذلك بعد جهود هائلة تتضمن تنظيم دورات دراسة مسائية لاستيعاب مزيد من الطلبة، ويتبقى نحو 320 ألف يبحثون عن خيارات اخرى، بخلاف مدارس الدولة.
غير ان التعليم الخاص في لبنان يتطلب تكاليف عالية لا تتمكن اغلب الاسر السورية من تحملها، ومن ثم تبقى المعضلة هي توفير تعليم مجاني او شبه مجاني لآلاف من الاطفال السوريين، وهو ما تحاول ان تقوم به جمعيات خيرية، مثل “جسور” من خلال اقامة مدارس تابعة لها في مناطق يكثر بها اللاجئون السوريون، مثل بيروت ومنطقة البقاع، والتي تقدم خدمة التعليم البديل لمرحلة التعليم الاساسي.
صعوبات هائلة
ويبقى توفير التعليم بشكل عام، وتعليم طلاب المرحلة الثانوية بشكل خاص، مشكلة هائلة تبحث عن حلول، فمن جانب لا توجد اعداد كافية من المدارس لاستيعاب كل من يريد الدراسة بالمرحلة الابتدائية من الطلبة السوريين في لبنان، ومن جانب آخر، تزداد الازمة تعقيدا بالنسبة لمن يريد اكمال الدراسة الثانوية، اذ تختلف المناهج اللبنانية عن المناهج السورية، ومن ثم يصعب على من بدأ التعليم في المدارس السورية ان يكمل تعليمه الثانوي في مدارس لبنانية، خاصة وان تدريس الرياضيات والعلوم يتم غالبا باللغة الانجليزية او الفرنسية في المدارس اللبنانية، بخلاف الحال في المدارس السورية التي تدرس الرياضيات والعلوم باللغة العربية، الأمر الذي يشكل عائقا اضافيا امام الطلبة السوريين.
اطفال سوريون في مخيم بمنطقة البقاع في لبنان
وعلاوة على مشكلات الدراسة في حد ذاتها، هناك مشكلات اجتماعية كثيرة يواجهها الاطفال السوريون، منها المضايقات التي يتعرضون لها في الحي أو المنطقة التي يعيشون بها في بيروت. وعلى سبيل المثال يشكو آدم رحمي، الذي يبلغ من العمر 11 عاما ويدرس بمؤسسة “جسور في بيروت، من “السخرية” التي يتعرض لها من قبل الصبية في مخيم “صابرا وشاتيلا” في بيروت، حيث يعيش مع اسرته، الامر الذي يجعله يتمنى العودة الى حمص حيث كان يعيش قبل اندلاع الحرب. تشكو ايضا مريم العلي، 14 عاما وتدرس بنفس المؤسسة، من “قلة الاحترام” على حد وصفها، الذي تعاني منه بعد ان غادرت مدينة دير الزور في سوريا الى لبنان، وهي ايضا تسكن في ذات المخيم.
وكما هو معروف فان مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، مثل مخيم “صبرا وشاتيلا”، تعاني اصلا من اوضاع معيشية صعبة، غير ان اللاجئين السوريين يضطرون في كثير من الاحيان الى الاقامة بها بسبب انخفاض اسعار المساكن مقارنة بباقي انحاء بيروت.
يا حسرة على الشام وأهلها ..يا حسرة على ولادنا اللي صار حلمهم مقعد بمدرسة ولا لقمة خبز ولا لحظة أمان ….يارب بحق عظمتك وجبروتك وعدلك يا الله تخلي بشار واللي معه الحسرة ما تفارقهم بعمرهم وتحرمهم من نور عيونهم وتخليهم يتمنوا الموت كل لحظة وكل ثانية وما يلاقوه على أد حسرة السوريين على بلادهم …لاحول ولا قوة إلا بالله