تلقي شهادة وزير الإعلام المصري الأسبق أسامة هيكل، الأضواء على قضايا سياسية وإعلامية في المرحلة الانتقالية، التي تولى فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شؤون مصر بعد أن أجبرت الاحتجاجات الشعبية الرئيس السابق حسني مبارك على التنحي قبل عامين.
ويسجل هيكل في كتابه “150 يوماً في تاريخ مصر.. حقيقة في زمن الكذب” تفاصيل تشمل ما قبل اندلاع الاحتجاجات في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما بعد الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير/شباط، وهي مرحلة شهدت كثيراً من “التحالفات والتواطؤ والنفاق السياسي”.
رحيل مبارك لم يقضِ على الفساد
إلى ذلك، يسجل أن رحيل مبارك لم يقضِ على الفساد المالي في مؤسسة بيروقراطية ضخمة مثل التلفزيون الرسمي.. ففي أول يوم له في الوزارة في يوليو/تموز 2011 اكتشف تفاوتا كبيرا في الرواتب، فالبعض يحصل على 300 جنيه مصري شهرياً (حوالي 44.7 دولار) في حين تقاضت مذيعة 750 ألف جنيه (حوالي 111940 دولارا) في شهر رمضان فقط، وفي الشهر نفسه حصلت مذيعة أخرى على 450 ألف جنيه.
ويضيف أنه وجد نفسه “أمام فوضى مالية رهيبة… وكانت الأرقام مفزعة” إذ يتقاضى بعض رؤساء القطاعات 100 ألف جنيه شهرياً.
ويقول هيكل إنه قرر أن يكون الحد الأقصى لرئيس القطاع 25 ألف جنيه. ويضم مبنى الإذاعة والتلفزيون 43 ألف إعلامي وفني وموظف، وتبلغ رواتبهم 133 مليون جنيه شهريا. ويقول الوزير الأسبق “لا يحتاج المبنى لأكثر من ثمانية آلاف فقط يديرونه بالشكل الأمثل” بحيث لا يشكلون عبئاً مادياً أو بشرياً.
يذكر أن الكتاب الذي يقع في 247 صفحة متوسطة القطع أصدرته الدار المصرية – اللبنانية في القاهرة.
والفترة التي يتناولها الكتاب حافلة بأحداث أدت إلى شروخ بين الجيش والشعب وانطلاق شعار “يسقط حكم العسكر” ومنها اشتباكات دامية أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون على كورنيش نهر النيل والمعرفة باسم “مجزرة ماسبيرو” في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول 2011 قتل فيها حوالي 25 شخصاً في مواجهات بين قوات من الجيش ومحتجين مسيحيين كانوا يحتجون على ما اعتبروه اعتداء على كنيسة في أسوان جنوب البلاد.
الاستعانة بالرموز الدينية
كما ينقل هيكل جانباً من ردود فعل الوزراء “وكانت مختلفة وأحيانا متناقضة”. ويقول إن جودة عبدالخالق، وزير التضامن الاجتماعي، وهو يساري، أعرب “عن شعوره بالخزي والعار، حيث وصلت مصر إلى حد أن تكون الديانة أساساً لتمييز عنصري.. وأبدى اعتراضه على استعانة وزير الداخلية بالرموز الدينية في تهدئة الأحداث والتوترات في منطقة ماسبيرو، لأنها قضية سياسية وليست دينية. وقال إن مثل هذا المنهج يؤدي إلى غياب السياسة واحتلال الدين صدارة المشهد”.
ويضيف أن وزير الداخلية منصور عيسوي قال في الاجتماع نفسه إنه اتصل بقادة السلفيين بحجة أن لهم سلطة قوية على أعضاء الجماعات السلفية. وقال عيسوي “إن المجلس العسكري ومجلس الوزراء لا يتمتعان بهذه السلطة على السلفيين”.
أما فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي فعبرت “عن استيائها من اعتلاء السلفيين منبر الإعلام الرسمي، والذين يتسم بعضهم بالرجعية. كما اعترضت على عدم احتجاج الحكومة على تشكيل أحزاب سلفية. كما اعترضت أيضا على التناول الإعلامي لبعض القنوات الفضائية المسيحية والإسلامية والذي يتسم بالتحريض والاستفزاز ولا تتخذ الدولة أي إجراء ضدهم”.
ومن الأحداث التي شهدتها تلك الفترة أيضا اشتباكات شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير، والتي بدأت في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 واستمرت بضعة أيام وأسفرت عن سقوط نحو 40 قتيلا وأكثر من 2000 جريح.
خوف قنديل من المتظاهرين
ويقول هيكل إنه في اجتماع مجلس الوزراء قبل مليونية يوم الجمعة 18نوفمبر/ تشرين الثاني السابق مباشرة لاندلاع الاشتباكات قالت فايزة أبوالنجا “لا يجب أن نرتعش من مظاهرات الإخوان ولا توجد مشكلة في نزولهم لأننا لو أظهرنا تخوفنا ستزداد ضغوطهم. رد عليها الدكتور هشام قنديل وزير الموارد المالية والري والذي لم يكن يتدخل كثيرا في مناقشة الأمور السياسية قائلا.. بل يجب أن نرتعش من وجود مليوني مصري في التحرير… فردت عليه الوزيرة قائلة.. يمكنك أن ترتعش بمفردك ولا أحد يمانع في التظاهر”.
ويسجل المؤلف أنه كان يهدف إلى أن ينتقل بالتلفزيون الرسمي “من إعلام النظام إلى إعلام الدولة” بعد أن أدت تغطيته للأحداث إلى “انعدام الثقة”، حيث انتقل في أيام قليلة من مدح مبارك إلى الإفراط في انتقاده والإشادة بالمحتجين وهو ما يراه هيكل تخبطا يثير السخرية.
نفاق إعلامي وسياسي
ويضيف أن تلك المرحلة شهدت “تناقضات ونفاق سياسيين وإعلاميين ومثقفين وانتقالهم خلف الفصيل السياسي الرابح.. من تأييد أو عدم ممانعة أن يرث جمال مبارك أباه في الحكم إلى نفاق المتظاهرين أو جماعة الإخوان المسلمين”.
ويقول إن هؤلاء المتحولين “كانوا يركبون قطار التوريث قبل أسابيع وقفز آخرون منهم في قطار الإخوان المسلمين باعتبارهم الفصيل الأكثر ظهورا. وقفز آخرون منهم في قطار الثورة واستمالوا شبابها” قبل أن ترجح كفة الإخوان.
كما يضيف هيكل أنه “في هذا المناخ كان الإخوان أكثر تنظيماً إذ كان هذا الفصيل يجيد فن إطلاق المليونيات للتأثير عل القرار السياسي بشكل يصب في مصلحته. وبينما كانت القوى المدنية تنشغل بثورتها كان الإخوان منشغلين بتنفيذ خطة الوصول إلى الحكم ليصبحوا المستفيد الوحيد من هذه الثورة”.