أعلن الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط، في حديث الى مركز “كارنيغي” للشرق الأوسط نقلته جريدة “الأنباء” الإلكترونية، أنه يفضّل الانتحار بشروطه بدلاً من الذهاب إلى سوريا ومصافحة بشار، حسب تعبيره، كما ابدى أسفه وحزنه لكون حليفه “الأقوى” الرئيس سعد الحريري “يزداد ضعفاً باضطّراد”.
وفي ما يلي نصّ المقابلة كاملاً:
-بعد بضعة أشهر، يصبح للولايات المتحدة رئيس جديد. ما تقييمكم للإرث الذي ستتركه إدارة أوباما في الشرق الأوسط، وما الذي ترغبون في رؤيته يتحقق في المنطقة في ظل إدارة أميركية جديدة؟
إذا دقّقنا بتأنٍّ في ما يُسمّى “عقيدة أوباما”، يتّضح لنا منذ البداية أن أوباما غير مستعدّ للتدخل عسكرياً في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه، توجّه إلى شعوب المنطقة في خطابه الشهير في القاهرة قائلاً إنكم تحتاجون إلى نوع من الثورة الثقافية. أنا أدعم هذه الفكرة، لأننا نطلب دائماً من الأميركيين التدخل، لكن عندما يفعلون، نشتمهم ونحمل عليهم. إننا في حاجة إلى ثورة ثقافية، مشابهة لما عرفته أوروبا في العصور الوسطى. وعندما ذهب أوباما إلى تل أبيب وخاطب الشباب الإسرائيلي، قال لهم إنه سيكون عليهم ذات يوم القبول بتسوية مع جيرانهم، فهذا أمرٌ لابدّ منه، ولا يمكن الاستمرار في حالة حرب دائمة. كانت هاتان النقطتان، من وجهة نظر فكرية، لافتتَين جدّاً، وسجاليّتَين للغاية في الوقت نفسه.
لكن على المستوى العملي، كان في وسع أوباما أن يُغيّر، منذ البداية، ميزان القوى في سوريا، عندما قال إن على الأسد “أن يتنحّى”. في ذلك الوقت (2011)، كانت الفرصة سانحة أمامه لتقديم المساعدة اللازمة إلى الجيش السوري الحر، لكنه لم يفعل. وما أقصده بتعبير “المساعدة اللازمة” هو أنه فشل في تزويد الجيش السوري الحر، أو رفض تزويده، بالأسلحة التي يحتاج إليها. وأعني بذلك صواريخ “ستينغر” الشهيرة (المضادة للطائرات) التي أرسلها الأميركيون في مرحلة معيّنة إلى المجاهدين في أفغانستان، ما أتاح لهم إلحاق الهزيمة بالاتحاد السوفياتي. إنه سلاح فتّاك، ولأسباب عدّة مُبهَمة، رفض أوباما إرسال “ستنيغر” إلى الجيش السوري الحر.
-قد يُجيب الأميركيون بأنه لو وصل مثل هذا السلاح إلى أيدي تنظيم “داعش”، لاستخدمه لنشر الدمار.
أتحدّث عن مرحلة 2011-2012، في أوج معركة حمص. في ذلك الوقت، لم يكن هناك وجود لتنظيم “داعش”، ولا لجبهة النصرة، ولا لأيّ من هذه التنظيمات. كان هناك الجيش السوري الحر وثوّار آخرون. لم يكن هناك متطرّفون آنذاك.
-ماذا تودّون من الإدارة الأميركية الجديدة فعله؟ مزيد من التدخل؛ مزيد من الاهتمام بالمنطقة؟
أجل، بالطبع. مزيد من الاهتمام بالمنطقة، ومزيد من التدخّل. علينا العودة إلى المسألة الأساسية في المنطقة التي لا يمكننا تجنّب الكلام عنها، والتي نُسيت تماماً بسبب الأحداث في العراق وسوريا وليبيا، وهي فلسطين والصراع العربي-الإسرائيلي. لكنني أتساءل ما إذا كانت الإدارة الجديدة ستولي حقّاً اهتماماً إلى هذه المسألة.
-هل نحن أمام نهاية الحقبة الأميركية في الشرق الأوسط؟
هذه ليست النهاية، بل ثمة نوع من تقاسم السلطة بين الولايات المتحدة وبين القوّتَين الصاعدتين الجديدتين: إيران وروسيا. بالطبع، لطالما كان للروس حضورهم، غير أن سياسة فلاديمير بوتين وتوجّهاته العدوانية من أوكرانيا إلى القرم فسوريا، قد ترسي نظاماً جديداً، وحدوداً جديدة، بالتشارُك مع الأميركيين وبتقاسم النفوذ معهم.
- توجّهون انتقادات شديدة إلى الروس في سوريا، لكنكم تكلمتم للتو عن الجهود الروسية الناجحة للدخول من جديد إلى المنطقة، وإرغام الأميركيين على القبول بتقاسم للنفوذ، كما قلتم.
هذا تمّ على حساب الشعب السوري، والمدن السورية، ودمار سوريا، لأنهم دعموا بشار بالكامل وبصورة مباشرة وغير مباشرة منذ البداية بالأسلحة والذخائر، فضلاً عن الدعم السياسي. وعندما كان بشار على وشك التعثُّر بسبب الخسائر التي تكبّدها جيشه، تدخّلوا إلى جانب الإيرانيين. وكان دعمهم حاسماً.
– على حساب الشعب السوري، نعم، لكن ألم ينجح بوتين في استراتيجيته اللاأخلاقية؟
نجح، نعم، لأنه اكتشف أنّ الإرادة الأميركية والحضور الأميركي كانا ضعيفين، أو أن الأميركيين لا يكترثون. بالنظر إلى الوراء، عندما هدّد أوباما بالتدخل في العام 2013 في حال استخدم النظام السوري الأسلحة الكيميائية، لا أظن أنه كان مستعداً فعلاً للتدخّل. لكن في الوقت نفسه، الروس هم من قدّموا له التبرير الأفضل لعدم التدخّل عندما اقترحوا اتفاقاً للتخلّص من ترسانة الأسد الكيميائية تحت إشراف الأمم المتحدة. وهكذا وجد أوباما ذريعة لعدم التدخل. بوتين أنقذ أوباما من التدخل. هذا هو أسلوبه اللاأخلاقي. لكن كما ترَوْن، دُمِّرت مدن بكاملها، وحصل الترحيل الجماعي أو التطهير العرقي بمساعدة الروس والإيرانيين، وبفعل اللامبالاة الأميركية، وأحدث مثال على ذلك داريا.
-كان التدخل الروسي حاسماً بالفعل. هل يعني ذلك أن بشار الأسد سيتمكّن من البقاء سياسياً؟
أجل، لسوء الحظ، وبشكل وقح، وبطريقة لاأخلاقية. وذلك بفضل الروس، ولامبالاة الأميركيين، وبالتحديد أوباما، وبالطبع بفضل إيران. ونحن نستشفّ مؤخراً مؤشرات جديدة عن تحوّلٍ تركي مثير للقلق للغاية. إذ يتردّد أنه قد يُعقَد اجتماع بين بشار الأسد و(الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان في موسكو. بالنسبة إلى الأتراك، الهمّ الأساسي هو التهديد الكردي، وهم الآن يتعاطون مع الأكراد، ويتناسون معاناة الشعب السوري. يا له من مصير رهيب يتلظى به الشعب السوري. إنه متروك لمصيره في لعبة النفوذ الكبرى هذه، وهو عرضة إلى التدمير والترحيل في هذه اللعبة اللاأخلاقية.
– ماذا يعني بقاء الأسد بالنسبة إلى سوريا أولاً؟ هل يمكنه أن يحكم كما كان يفعل في السابق؟ وماذا ستكون تداعيات ذلك على الدول المجاورة؟
إنه يحكم بالدم والنار. ماذا يعني الأمر عملياً على الأرض عند رؤية المناطق المدمّرة في حمص؟ لقد شهدت تلك المناطق تطهيراً طائفياً للسنّة في الغالب. وفي دمشق، بدأ التطهير في داريا ومعضمية الشام. إذن، معظم عمليات الترحيل تستهدف الآن السنّة، حتى في حلب. وهذا التوجُّه سيتواصل. لا نزال في بداية تغيير ديموغرافي كبير في سوريا، على حساب السنّة الذين يُطرَدون إلى لبنان والأردن وتركيا وأوروبا. أما الباقون فقد يصبحون محاصَرين داخل سوريا، إنما وفقاً لمخططات بشار التي يسعى من خلالها إلى الحد من نفوذ السنّة.
– هل تعتقدون أن وجود اللاجئين السوريين في البلدان العربية وتركيا سيتحوّل إلى وجود دائم؟
أظنّ أن ما نراه في سوريا أسوأ مما حلّ بالفلسطينيين في العام 1948. إنه مشابه له. لكن إذا ما أردنا المقارنة بين معاناة الفلسطينيين في العام 1948 وبين معاناة السوريين اليوم، كانت معاناة الفلسطينيين، نسبياً، أقل مما يعانيه السوريون اليوم.
– وما معنى ذلك بالنسبة إلى لبنان، وبالنسبة إليكم على وجه الخصوص؟
بالنسبة إلي؟ ماذا تقصد؟
– بالنسبة إلى جميع مَن عارضوا نظام الأسد.
سأتمسّك بمعارضتي السياسية والأخلاقية (لممارسات النظام السوري). لكن ماذا يعني ذلك؟ أشعر بضيق وكرب شديدين لأنه بعد خمسة أعوام، لا يزال الأسد في السلطة، ولا يزال النظام قائماً، لأنه أفاد من التحالفات الشيطانية والمتبدِّلة، ومؤخراً من مواقف الأمم المتحدة. الفضيحة التي ظهرت مؤخراً حول مساعدات الأمم المتحدة إلى سوريا تتنافى مع ادّعاءات المنظمة بأنها تعمل من أجل حماية حقوق الإنسان. لقد قدّمت الأمم المتحدة ملايين الدولارات لمساعدة سوريا، لكن الأموال أُرسِلت إلى عائلة الأسد، وفي شكل أساسي إلى عقيلة بشار الأسد. الأمم المتحدة أقرّت بهذا الأمر، مشيرةً إلى أنها كانت تحاول إنقاذ الناس، لكنها قدّمت في الواقع حقنة في عضل النظام والأسرة الحاكمة. إنها كارثة أخلاقية، ووصمة عار على جبين الأمم المتحدة.
– ستضع الحرب في سوريا أوزارها في خاتمة المطاف. كيف ترون نهايتها؟
عندما تنتهي سأجيبك عن هذا السؤال. الآن لا أرى نهايةً لها.
– لكن منطق ديناميكيات النزاع يؤشّر إلى أننا نتّجه نحو خواتيم عسكرية.
خواتيم عسكرية لمصلحة النظام، وعلى حساب الشعب السوري، ما يعني دمار سوريا القديمة كما عرفناها في ما مضى. لا يستطيع أحد أن يتكهّن كيف ستبدو سوريا الجديدة. لكنني أستطيع أن أرى المشهد داخل سوريا الجديدة. سيبقى اسمها سوريا، إنما مع تغييرات ديموغرافية كبيرة ونزوح للأشخاص. وهذه العملية لم تكتمل فصولها بعد.
– لنلقِ نظرة على المنطقة الأوسع، حيث يمكننا أن نرى أيضاً تبدّلات كبرى في الاصطفافات مع صعود إيران، والضعف النسبي لدول الخليج، واللامبالاة المتزايدة التي تظهرها الولايات المتحدة مقارنةً مع أدوارها السابقة. إلى أين تقود هذه الديناميكيات؟ وكيف ستتعامل معها الإدارة الأميركية الجديدة، مع العلم أنها قد تنتهج مقاربة مختلفة في التعاطي مع إيران؟
إنها الحصيلة التي أسفرت عنها المفاوضات النووية بين الأميركيين والغرب وإيران. ثمة مقاربتان هنا. الأول منهج العمل الذي دعمه بعض العرب في ذلك الحين وكان يدعو إلى قيام الولايات المتحدة بضرب إيران. لم يكن هذا النهج ليقود إلى أي مكان عدا الكارثة والدمار، وكان ليؤدّي فقط إلى إرجاء المسألة النووية. غير أن المفاوضات السلمية أدّت أيضاً إلى إرجاء المسألة النووية، لأنه بعد بضع سنوات، ربما عشر سنوات أو اثنتَي عشرة سنة، سيمتلك الإيرانيون الإمكانات التقنية لتصنيع القنبلة. كانت هذه ولاتزال رغبتهم منذ البداية، أي الانضمام إلى النادي النووي، عبر السير بركب اليابان وألمانيا، من خلال امتلاك المعرفة التكنولوجية التي تتيح لهم تصنيع سلاح نووي في فترة زمنية قصيرة. إذن، جرى إرجاء المسألة لأن أوباما على وشك الرحيل وستتشكّل إدارة جديدة. لكنني أعتقد أنهم يملكون المعرفة التكنولوجية، وهذا كافٍ. أما بالنسبة إلى العرب، فلم تكن لديهم قط خطة موحّدة. والآن هم عالقون في مستنقع الحرب اليمنية التي لا ولن تنتهي فصولها في القريب العاجل. وعندما أقول العرب، أقصد السعودية ودول الخليج. اللاعب الكبير هو الفرس، الإيرانيون.
-تنخرطون في السياسة الشرق أوسطية منذ وقت طويل، وفي العام المقبل سيكون قد مضى أربعة عقود على دخولكم مضمار السياسة. يبدو أن منظومة الدول العربية قد انهارت. هل تعتقدون أنه يمكن إعادة إحيائها أو إنعاشها بطريقة ما؟
ماذا كان النظام الإقليمي العربي؟ كان عبارة عن مجموعة من الطغاة، بعضهم طغاة على رأس نظام جمهوري، وبعضهم الآخر طغاة على رأس نظام ملَكي. بعضهم سقط، وبعضهم الآخر لا يزال متربّعاً على الحكم. الثورة الشعبية الناجحة الوحيدة حتى تاريخه هي تلك التي اندلعت في تونس. في مصر، كان مؤسفاً جدّاً أن نرى الثورة تُسحَق مجدّداً على أيدي الجيش الصلف، غداة شبه الانقلاب الذي شهدته البلاد في الثالث من تموز/يوليو 2013 – أقول شبه انقلاب لأنه كان انقلاباً شعبياً وعسكرياً على السواء – بعد إطاحة حسني مبارك في كانون الثاني/يناير 2011. هذا مؤسف للغاية. لم يعد هناك وجود للشرق الأوسط القديم. انتهى الشرق الأوسط القديم الموروث من حقبة سايكس-بيكو. لا أرى تغييراً في حدود الدول في الوقت الراهن، بل ربما تغيير في خريطة البلدان الداخلية في العراق وسورية.
-إذن، يجدر بنا أن نشعر بالحنين إلى حقبة مابعد سايكس – بيكو؟
عندما تبلغ سنّاً معينة، تفضّل ألا تنتظر الكثير من المستقبل. أفضّل أن أمتلك بعض الرومانسية، إذا صح التعبير. أن أعود إلى حقبة رومانسية ما، أو إلى محطات من الماضي، إلى ماضٍ ما، سمِّها سايكس – بيكو. هذا أكثر مدعاة للاطمئنان. لا تشعر بالتعب الجسدي، بل الفكري.
-بالعودة إلى لبنان، ما مستقبل شخص مثلكم في بلد يخضع، حتى مستقبل منظور، إلى سيطرة “حزب الله”؟
لا مستقبل لدي، فهدفي الوحيد هو الحفاظ على البقاء. وآمل بأن أكون قد نقلت هذه الرسالة إلى نجلي. عندما تنتمي إلى طائفة صغيرة، يكون هدفك الوحيد هو حمايتها والحفاظ على البقاء. والبقاء هنا يعني إقامة علاقات جيّدة مع مختلف مكوّنات البلاد، وعلى رأسها “حزب الله”. هذا هو السبيل الأسلم ليتمكّن الدروز من البقاء والحفاظ على ما تبقّى لهم سياسياً وديموغرافياً.
– لكن الطائفة في تضاؤل مستمر.
– أجل، هذا واقعٌ علينا القبول به. الطائفة في تضاؤل مستمر. علينا القبول بهذا الواقع الديموغرافي، في حين أن طوائف أخرى تزداد حجماً باطّراد. لكن مسيحيي لبنان ليسوا أفضل حالاً منّا.
– لكنهم أكثر تفاؤلاً.
-(يضحك) هنيئاً لهم. الأحلام القديمة التي راودت والدي كمال جنبلاط بتغيير النظام، وإرساء نظام علماني غير طائفي، أحلام القومية العربية، وأحلام النضال المشترك الذي سعينا نحن والفلسطينيون من خلاله إلى تحرير فلسطين، كلها انهارت.
– لكن ألا يمكن القول، بمعنى ما، إنها انهارت قبل 40 عاماً عند انطلاق مسيرتكم السياسية؟
-بلى، انهارت في أواخر ستينيات القرن العشرين.
– إذن، بدأتم مسيرتكم السياسية على وقع انهيار الأحلام؟
– في تلك المرحلة، لم تكن الأحلام في صدد الانهيار. اعتقدنا أن بإمكاننا الصمود والنضال. حتى خلال الحرب الأهلية، في مرحلة معيّنة خلالها، اعتقدنا أن بإمكاننا تحقيق شيء ما. ثم جاءت الوصاية السورية التي فرضت علينا أن نستكين، وفرضت على الجميع التقيّد بالقواعد السورية. وكانت الانتكاسة الكبرى الأولى مع إرغام (ياسر) عرفات على مغادرة لبنان. كان يوماً رهيباً. كنت من الأشخاص الذين أجهشوا بالبكاء بسبب رحيل الفلسطينيين، لأنه كان الحلم، حلم النضال المشترك الذي يوحّدنا نحن والفلسطينيين. رحل عرفات. وانهار حلمٌ آخر. كان عرفات يعتقد أنه يستطيع تحقيق الاستقلال عن طريق (اتفاقات) أوسلو. لكنه فشل لأنه لم يتفاوض منذ البداية على المرحلة النهائية مما يُعرَف بإدارة أوسلو. فشل في التفاوض حول المستوطنات. لقد أرجأ التفاوض في هذه المسألة، ووقع في الفخ. لكنه كان عالقاً بين المطرقة العربية، ولاسيما المطرقة السورية إنما أيضاً مطارق أخرى، والسندان الإسرائيلي. أعتقد أن السندان قد يكون أكثر ليونة. لم يكن كذلك. كانت مأساة كبرى، لأنني أعتقد أن أيّاً من الأنظمة العربية – ربما كان عبد الناصر استثناء على المستوى العاطفي – لم يرغب في قيام كيان فلسطيني مستقل. لا أظن أن أيّاً من الأنظمة العربية أراد قيام فلسطين مستقلة. لا أعتقد ذلك.
-لكن حتى عبد الناصر بدا مستعدّاً للقبول بخطة روجرز التي كان يمكن أن تؤدّي إلى تسويات سلمية بين العرب والإسرائيليين.
وقد اعتبره النظامان الرافضان في سوريا والعراق خائناً. وقبل خطة روجرز، قدّم (الرئيس التونسي حبيب) بورقيبة اقتراحاً في العام 1965 لحل المشكلة الفلسطينية. لم يجرؤ عبد الناصر على قول ذلك بنفسه. أما بورقيبة فقال آنذاك: لنقبل بتسويةٍ مع إسرائيل ونقدّم مطالباً بأنفسنا. لقد جرى تخوينه بالطبع. وفي ذلك الوقت، كان من الأسهل بكثير طلب شيء من الإسرائيليين، أو الضغط عليهم سياسياً. كان هذا قبل العام 1967، ولم تكن هناك مستوطنات في الضفة الغربية.
-بالعودة قليلاً إلى لبنان، وبصورة مختصرة، كنتم في العام 2005 جزءاً من فريق 14 آذار الذي ساهم في إخراج السوريين من لبنان. ثم كنتم أول من خرج من التحالف في العام 2009. ماذا يبقى من هذا كلّه؟
كان هذا التحالف حلماً جميلاً، لكن لم يكن يملك أي برنامج سياسي عدا إخراج السوريين من لبنان. لقد شعر بشار، ربما لأول مرة في تاريخه – وقد تكون المرة الأخيرة – بالخوف، وأقدم على سحب قواته في نيسان/أبريل 2005. انقسمت البلاد لأننا أصبحنا أسرى الأحلام بأننا قادرون على إضعاف حلفاء بشار في لبنان، أي “حزب الله”. لكننا كنّا نأمل أيضاً بأن يُبادر ما يُسمّى المجتمع الدولي – هذا المفهوم هو أيضاً وهمٌ كبير، كذبة كبيرة – إلى التحرّك لإضعاف النظام السوري. لكنه لم يحرّك ساكناً آنذاك، ولا يحرّك ساكناً الآن. في آذار/مارس 2008، وقعت صدامات في بيروت والجبل (بين “حزب الله” وحلفائه من جهة والمجموعات الموالية لفريق 14 آذار من جهة ثانية). قرّرتُ الخروج من فريق 14 آذار صوناً لطائفتي. ثمة أولويات، ولم أستطع الاعتماد على أيٍّ كان أو أي شيء عدا حكمة الناس في طائفتي. لقد أقنعتهم، وقد استغرق الأمر بضع سنوات لأتمكّن من إقناعهم، بأن المواجهة العسكرية ستكون بمثابة انتحار للطائفة الدرزية. والآن أُواصل هذا المسار.
– حتى حليفكم الأقوى، سعد الحريري، يواجه على ما يبدو صعوبات كبيرة اليوم.
لسوء الحظ. لا أعرف أسباب ذلك، لكن حليفي الأقوى يزداد ضعفاً باطّراد. وهذا محزنٌ. محزنٌ جدّاً.
-يعاني لبنان الشغور الرئاسي منذ أكثر من عامَين، هل سيصبح للبلاد رئيس؟ وفي أي ظروف؟
لا أرى أن ذلك سيحدث في المستقبل المنظور. بالطبع، مَن يبتّ في الموضوع الرئاسي هما القوّتان الإقليميتان، إيران وسوريا. لا ينبغي التقليل من شأن النفوذ الذي يتمتع به بشار وقدرته على إفساد الأمور. هدفهم هو إخضاع المناطق التي يسيطر عليها الثوار في سوريا. فعندما ينجحون في تحقيق ذلك، وهم يعملون على تحقيقه بصورة تدريجية إنما مقابل ثمن باهظ جدّاً، يمكنهم أن يفرضوا على لبنان وصاية جديدة، ربما مع شروط جديدة. في هذا الصدد، بعض المسيحيين أو بعض الزعماء في الطائفة المارونية غافلون عن أنه قد يتم تعديل الدستور بما يتعارض مع مصالحهم. ربما البعض مستعدّون للقبول بهذا الأمر، على غرار ميشال عون. لكن ذلك يتوقّف على المكاسب العسكرية للجيش السوري وحلفائه.
– وهل تعتقدون أنه يمكن تأمين غالبية الثلثين في مجلس النواب لتعديل الدستور؟ فحتى لو توفّرت النيّة لذلك، من الصعب جدّاً تعديل الدستور.
نحن في مأزق، إنها حرب استنزاف. وفي حرب الاستنزاف هذه، هم أقوى منّا وأكثر قدرة على الصمود. نحن لسنا موحّدين؛ على المستوى الاقتصادي، تشهد البلاد تراجعاً كبيراً، وتعاني من هشاشة شديدة. من يدري ما قد يحدث بعد سنة؟ في الوقت الراهن، نحن قادرون على الاستمرار، لكن من يدري ما قد يطرأ بعد عام من الآن؟ والطرف الآخر لا يأبه، ويملك سيطرة مطلقة داخل طوائف بكاملها. أقصد، لا تقولوا لي إنهم لا يفيدون من الانقسامات في صفوف المسيحيين. بلى يفيدون. حتى في صفوف السنّة، لديهم ميليشياتهم ونفوذهم. وفي صفوف الدروز أيضاً.
-لطالما كنتم زعيماً سياسياً شديد الواقعية. هل ستضطرون، عاجلاً أم آجلاً، إلى عقد مصالحة مع بشار الأسد، في حال بقائه؟
كلا، لن أفعل ذلك. فهذا يعني نهايتي السياسية. أفضّل الانتحار بشروطي أنا بدلاً من الذهاب إلى سوريا ومصافحة بشار.
-هل التقاعد أمرٌ صعب، مع العلم بأنكم لم تتقاعدوا فعلاً؟
لم أتقاعد. (نجلي) تيمور تسلّم الجزء الأكبر من العمل، وأصبح لدي بعض أوقات الفراغ للسفر ومشاهدة بعض الأماكن في هذا العالم. أرغب في السفر إلى مزيدٍ من البلدان، لكنني لم أعد أقوى على ذلك جسدياً. إلا أنني أشعر بالرضى لأنني أرى تيمور يتقدّم بثبات نحو الأفضل، وآمل في أن يتمكّن من حماية طائفته وتأمين بقائها. بالطبع الظروف اليوم أصعب بكثير من تلك التي واجهتها أنا. هذه هي أمنيتي وإرادتي قبل الرحيل.
لا طوّل بالك دخيلك كل شي إلا هيك، متل ما بتعرف مصير السوريين كلهم مرهون بهالمصافحة 😉