على عكس صورته في مالي، كزعيم حرب، يجد الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند نفسه مضطراً للتريث بعض الوقت بعدما أبدى عزمه على توجيه ضربة سريعة لسوريا، في الوقت الذي يواجه فيه مطالبة متزايدة من المعارضة بإخضاع قرار ضرب سوريا للتصويت البرلماني، كما حدث في الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما سيحصل الأربعاء القادم.
وينتظر أن يناقش البرلمان الفرنسي شكل الضربة، وماهي الأهداف المرجوة منها، وهل ستطال الآلة الحربية ومستودعات الأسلحة الفتاكة لنظام بشار الاسد وسيتساءل البرلمان هل قوات الجيش الحر ستكون قادرة بعد الضربة الأميركية الفرنسية على إسقاط نظام بشار الأسد وهل ستصدق التوقعات بأن انشقاقات كبيرة ستحصل وسط الجيش السوري التابع لبشار الأسد.
والرئيس الفرنسي المتهم على صعيد السياسة الداخلية بأنه شديد السعي إلى التراضي، ظهر في صورة زعيم الحرب في مالي ثم في سوريا، عندما أكد “تصميمه” على “معاقبة” نظام بشار الأسد. وهكذا بدا رئيس الدولة والقائد الأعلى للجيش مستعدا لإرسال القوات الفرنسية إلى ساحتي قتال خارجيتين في ثمانية أشهر فقط.
إلا أن فرنسا، التي أصبحت فجأة الحليف الأقرب للولايات المتحدة بشأن سوريا بعد انسحاب بريطانيا، قد تجد نفسها “منقادة” للأميركيين كما يخشى رئيس الوزراء السابق فرنسوا فيون الذي عارض وبشدة الحرب على العراق 2003 حتى اتهمته بعض الشخصيات بأميركا بأنه يمثل وجه أوروبا العجوز.
غيغو: فرنسا لن تتدخل وحدها
كما أقرت الرئيسة الاشتراكية للجنة الشؤون الخارجية في الجمعية الوطنية “البرلمان”إليزابيت غيغو”، بأنه “إذا ما قررت الولايات المتحدة عدم التدخل فمن الجلي أن فرنسا لن تستطيع التدخل وحدها لأن الأمر يتطلب وجود تحالف لضمان الشرعية” لهذ التدخل.
وأضاف مصدر عسكري فرنسي آخر قائلا “كنا على أهبة الاستعداد وجرى تحديد الهدف لكن من الواضح أننا مرغمون على اتباع إيقاع الأميركيين”.
ويأتي تريث الرئيس الفرنسي أيضا بعد رفض البرلمان البريطاني المشاركة في تدخل عسكري في سوريا إضافة إلى إعلان باراك أوباما باستشارة الكونغرس الأميركي، ورغم أن الضربات الجوية كانت تبدو وشيكة جدا فإن مناقشة هذا القرار أمام مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين لن تبدأ قبل 9 سبتمبر/أيلول.
وفي غضون ذلك يواجه فرنسوا أولاند أيضا ضغوطا سياسية متزايدة، فبعدما قررت الحكومة طرح الأمر للمناقشة فقط بدون تصويت في البرلمان في 4 سبتمبر باتت مرغمة على التراجع.
وهكذا يبدأ رئيس الوزراء جان مارك ايرولت اعتبارا من غد الاثنين باستقبال كبار المسؤولين البرلمانيين لاطلاعهم على الوضع في سوريا.
ولتبرير تدخلها، سترفع الحكومة قريبا السرية عن وثائق مصنفة أسرار دفاع بشأن ترسانة الأسلحة الكيميائية التي أقامتها سوريا منذ سنوات، كما صرح مصدر حكومي اليوم الأحد.
الاستخبارات الفرنسية: أطنان من غاز السارين بحوزة الأسد
وأشارت مذكرة أخيرة لأجهزة الاستخبارات الفرنسية كشفت محتواها اليوم لأسبوعية “لو جورنال دو ديمانش” إلى وجود “مئات الأطنان من غاز الخردل وغاز السارين” لدى النظام السوري، أي مخزون كامل يتجاوز الألف طن من العناصر الكيميائية، لكن يبدو أن ذلك غير كاف لتبرير الضربة، إذ تتزايد المطالبة بتنظيم عملية تصويت كاملة في البرلمان.
ورغم إطلاق بضع مطالبات في هذا الصدد وحتى من داخل الغالبية فإن الحكومة لا تبدو حتى اليوم راغبة في إجراء مثل هذا التصويت للبرلمان. ووفقا للدستور يستطيع الرئيس تجاوز موافقة البرلمان لإرسال قوات إلى الخارج.
وتقول المادة 35 من الدستور “الحكومة تطلع البرلمان على قرارها بإرسال القوات المسلحة إلى الخارج في موعد أقصاه ثلاثة أيام من بدء التدخل. وتحدد الأهداف المرجوة منه. ويمكن أن يكون هذا الأمر موضع مناقشة لا يعقبها أي تصويت”.
ولا تنظم عملية تصويت إلا إذا تجاوزت مدة التدخل أربعة أشهر كما هي الحال في مالي.
وقال وزير الداخلية، مانويل فالس مز “إننا لا نغير الدستور بحسب المستجدات”، مشددا على “ضرورة المحافظة على الوظيفة الرئاسية”.
وبدون انتظار هذه المناقشة البرلمانية هناك بالفعل مواجهة سياسية بشأن سوريا، فقد ندد زعيم الحزب الاشتراكي، هارلم ديزير، بـ”ذهنية ميونيخية” لدى بعض زعماء المعارضة، في إشارة إلى اتفاقات ميونيخ التي خضع الفرنسيون والإنكليز بموجبها لمطالب هتلر في تشيكوسلوفاكيا. وهي تصريحات اعتبرها كريستيان جاكوب زعيم نواب الاتحاد من أجل حركة شعبية “مشينة”.