تصريحات نارية وحرب ضروس تشهدها تل أبيب بين الأحزاب الكبيرة المنتخبة في إطار التشاورات لتشكيل حكومة جديدة، في أعقاب انتخابات الكنيست الإسرائيلي التاسعة عشرة التي جرت قبل نحو شهر.
لكن هذه العقبات الناجمة عن اختلاف الأجندات، كان يمكن تخطّي جزء كبير منها، لولا تدخلات امرأة، هي البداية وأصل الحكاية وفق تقديرات كثيرة أدت إلى توريط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.
تعود القصة لعام 2008 عندما وقعت خلافات بين نتنياهو زعيم المعارضة في حينه، ورئيس ديوانه في ذلك الوقت نفتالي بينيط، أدت إلى ترك الأخير عمله بعد نحو عامين من مرافقة نتنياهو، وانتقاله إلى حزب “البيت اليهودي”، فيما تم اختياره قبيل الانتخابات الأخيرة زعيماً لهذا الحزب، وقاده ليفوز بـ12 مقعداً في الانتخابات التي جرت قبل نحو شهر، وهو الأمر الذي كان بالنسبة لنتنياهو بمثابة ضربة قوية على الرأس.
وفي فترة التحضير لانتخابات الكنيست التاسعة عشرة وبعدها، كانت تطفو قضية الخلافات بين عائلة نتنياهو وبينيط مع كل تحرك وكل تصريح، وكانت تحليلات إسرائيلية وتقارير صحافية كثيرة تشير إلى أن الخلاف يعود بالأساس إلى إشكالية بين زوجة نتنياهو وبينيط دون أن يتم الجزم بطبيعة هذه الخلافات ودوافعها، فيما ذهبت قراءات أخرى باتجاه أن بينيط كان قد سرّب للإعلام عدداً من القضايا التي مسّت نتنياهو عندما عمل في مكتبه.
وأبدى الزوجان نتنياهو في مناسبات عديدة موقفاً من بينيط وعملا على محاربته والإيحاء بأن نتنياهو لا يريده في حكومته، وقام بالاستهتار به مراراً، وهو الأمر الذي جعل بينيط يلجأ لتفاهمات مع يائير لبيد رئيس حزب “ييش عتيد” الذي حلّ حزبه في المكان الثاني بحصوله على 19 مقعداً، وشكلا جسماً تفاوضياً واحداً سدّد ضربة أخرى لنتنياهو، الذي يحاول في الآونة الأخيرة دقّ الأسافين بينهما بعد أن أدرك حاجته لاستقطاب أحد الطرفين للائتلاف، لكن محاولاته باءت بالفشل حتى اليوم.
وبات الفريق التفاوضي الموحّد يفرض شروطاً اقتصادية واجتماعية وسياسية، بعضها يتناقض مع طروحات أحزاب “الحريديم”، الذين يعتبرون حليفاً استراتيجياً لنتنياهو منذ سنوات، ما يعني أن قبول نتنياهو بإملاءات لبيد وبينيط قد يؤدي إلى خسارته حلفاءه الأساسيين، وهو الأمر الذي يرفضه ويحاول أن يجد مخرجاً منه دون جدوى، خاصة أن “الحريديم” يرفضون فكرة التجنيد الإلزامي للجميع التي يتمسّك بها حزب “ييش عتيد”، وهذه قضية واحدة من قضايا أخرى.
وفي ظل التوتر الحاصل والاتهامات المتبادلة بين الأطراف الإسرائيلية، نشرت صحيفة “معاريف”، اليوم الإثنين، تصريحات نسبتها لشخصيات من طواقم المفاوضات في حزب “الليكود بيتنا” برئاسة نتنياهو، جاء فيها أن نتنياهو لا يخشى من التوجّه لانتخابات جديدة، وقد يفضّل هذا الخيار على خيار الخضوع لإملاءات لبيد وبينيط والاستغناء عن أحزاب “الحريديم”.
وقاموا بتحميل بينيط المسؤولية مسبقاً عن أي قرار يمكن أن يتّخذه نتنياهو باتجاه انتخابات جديدة، وذلك بسبب إصراره على مواقفه وتحالفه مع لبيد وشد الحبل بما لا يحتمل، رغم أن أفكاره تتماشى مع طرح حزب الليكود الذي خرج منهن، على حد تعبيرهم.
لكن تهديدات حزب “الليكود” قوبلت باستهزاء من قبل المسؤولين في حزب “البيت اليهودي”، الذين رأوا أنها تهديدات غير جدية وأنها لا تجدي نفعاً، وأن القضية تحتاج إلى اتفاق على بعض المبادئ ولا تحتمل أية تهديدات، خاصة أن ذهاب نتنياهو إلى أي انتخابات سيعني تفكّك حزب الليكود وحصوله على عدد من المقاعد لا يتجاوز 12 مقعداً، بحسب أقوالهم.
كذلك، أكدوا أن نتنياهو هو الذي دفع بنفتالي بينيط نحو يائير لبيد، وذلك بعد أن أبدى في أكثر من مناسبة عدم رغبته في ضمّه للحكومة نتيجة خلافات سابقة، في حين كان بينيط يصرّح دائماً برغبته في أن يكون جزءاً من الحكومة القادمة.
ويعود الكثير من المراقبين للتأكيد على أنه لولا الخلافات الشخصية بين عائلة نتنياهو وبينيط لما وصل الوضع إلى هذا الحال، ولما كان نتنياهو يعاني من أزمة يبدو أن حلها لازال مستعصياً.