لا يزال الغموض يكتنف شخصية منفذ هجوم لندن الأخير، في ظل افتقار أجهزة الأمن لمعلومات تفك لغز الرجل الذي تحول في فترة وجيزة من «إنسان مسالم» في نظر المحيطين به إلى إرهابي قتل وأصاب العشرات، واتضح أمس أنه عمل في السعودية خلال فترتين من حياته.
وفور الزج باسم السعودية في الهجوم الأخير، الذي اتضح أن منفذه اعتنق الإسلام قبل 14 عاماً، انبرت وسائل إعلام عدة إلى نشر معلومات «مغلوطة» عن الواقعة، ما استدعى السفارة السعودية في لندن إلى الرد عليها في بيان وزعته أمس (الجمعة)، قدمت فيه حقيقة علاقة منفذ الهجوم البريطاني في المملكة.
وجاء في بيان نشرته السفارة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»: «إن منفذ الهجوم خالد مسعود سبق له الإقامة في السعودية لفترتين، حين كان يعمل مدرساً للغة الإنكليزية، الأولى من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2005 وحتى الشهر نفسه من العام التالي، والثانية في نيسان (أبريل) من العام 2008 وحتى الشهر نفسه من العام التالي».
وأفاد البيان أن مسعود زار السعودية في آذار (مارس) من العام 2015، بعدما حصل على تأشيرة عمرة من خلال شركة رحلات مرخصة، لافتاً إلى أنه «خلال فترة إقامة مسعود في السعودية لم يظهر اسمه على قوائم الرصد الأمني في المملكة، ولم يكن له أي سجل إجرامي فيها».
وولد منفذ هجوم لندن الأخير أدريان راسل أو خالد مسعود في 1964، بمدينة كنت البريطانية، من أب ذو أصول أفريقية وأم بيضاء، واتجه إلى الإجرام في عمر الـ19 عاماً، ويشير سجله القضائي إلى سجنه مرتين بعد طعن شخصين بسكين، وأدين في اعتداءات أخرى وحيازة أسلحة.
وبعد خروج راسل من السجن اعتنق الإسلام في 2003، ليتزوج بعدها من فتاة مسلمة في العام 2004، لكن ذلك لم يغير من حياته الإجرامية آنذاك بحسب المعلومات المتوافرة عنه.
ويحمل راسل ألقاب عدة، إلا أن أشهرها «مصاص الدماء» وهو لقب أطلقه عليه جيرانه، بعدما اعتادوا رؤيته الخروج بملابس سوداء في أوقات متأخرة من الليل.
وبدأ التحول الجذري في حياة «مصاص الدماء»، بعدما سافر إلى السعودية في العام 2005، إذ عمل مدرساً للغة الإنكليزية في مدينة ينبع (غرب البلاد)، درس أثنائها موظفي الهيئة العامة للطيران المدني، وعمل لفترة أخرى في مدينة جدة، وعقب عودته إلى بريطانيا غير إسمه إلى «خالد مسعود» ليعمل بعدها في مدرسة لغات، وأسس شركة خاصة به في العام 2012 تعمل في مجال التعليم. وخلال تلك الفترة ذكر جيران مسعود أنه كان «انساناً مؤدباً ومتديناً، يحافظ على صلاته في المسجد يشذب أشجار الحديقة يومياً».
وتملكت الصدمة المحيطين بمسعود، إذ لم يدر في خلدهم أنه سيتحول الأربعاء الماضي إلى قاتل يستأجر سيارة ليدهس أكثر من 50 من المارة على جسر ويستمنستر في لندن، مقتحماً بسكينه مقر البرلمان البريطاني، ليهاجم عدداً من رجال الشرطة التي سقط أحد أفرادها قتيلاً قبل أن يلاقي هو المصير نفسه برصاص الشرطة.
وثار جدل حول هوية المهاجم الذي صرح رئيس جهاز مكافحة الارهاب في شرطة لندن مارك رولي أن «هويته كانت معروفة لدى الشرطة وتعتقد في صلته بالإرهاب الإسلامي».
وكشفت الحكومة البريطانية بعد ذلك، أن منفذ الاعتداء هو بريطاني الجنسية، مولود في لندن، وكان موضع تحقيق لجهاز الاستخبارات قبل سنوات بشبهة «التطرف العنيف»، لكن لم يحقق معه سابقاً في شأن علاقته في الإرهاب.
وتحاول الشرطة البريطانية معرفة كيف تحول مسعود إلى إرهابي في وقت قصير، وخصوصاً أنه لا يوجد الكثير فيه حياته يشير إلى علاقته بالإرهاب، وخصوصاً أنه معروف لأجهزة استخباراتها، إلا أنه كان شخصاً «هامشياً للغاية»، فلم يكن على قائمة المطلوبين الخطرين.
ويعد مسعود الذي تجاوز الخمسين الأكبر سناً مقارنة مع منفذي العمليات الإرهابية التي استهدفت مدن أوروبية وغربية عدة، مثل: باريس، ونيس، وبروكسيل، وميونيخ، وفي حال ثبوت انضمامه إلى «داعش»، ينبيء بتغير في تكيتكات التنظيم على صعيد الفئات العمرية لمنفذي أعماله.
وترجح الشرطة البريطانية أن يكون مسعود نفذ العملية منفرداً على غرار «الذئاب المنفردة»، ويأتي في الوقت الذي تبنى فيه تنظيم «داعش» الهجوم الذي يعد الأدمى منذ التفجيرات الانتحارية التي شهدتها لندن في العام 2005 وراح ضحيتها أكثر من 50 شخصاً.