تناولت تقارير إعلامية السبت معلومات وتحليلات تثير التساؤل حول ما إذا كانت الولايات المتحدة على علم مسبق بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا.
وتكتسب هذه المعلومات أهمية كبيرة في حال ربطها بمواقف الإدارة الأميركية المتريثة إزاء المحاولة الانقلابية الفاشلة في ساعاتها الأولى.
وكان لافتا أن السفارة الأميركية في أنقرة أصدرت بيانا الليلة الماضية اعتبر أن ما يجري في تركيا انتفاضة أو ثورة، دون أن يشير إلى وجود انقلاب عسكري على الحكومة المنتخبة.
وحثت السفارة المواطنين الأميركيين في تركيا على توخي الحذر وعدم الاقتراب من مناطق الصراع إذا كانوا قرب تواجد لقوى الأمن أو الجيش.
وفي تحليل لها بصحيفة واشنطن بوست، نسبت الكاتبة كارين دي يونغ إلى مسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية -رفضوا الكشف عن هوياتهم- قولهم الجمعة، إنهم كانوا “على علم بما يحدث في تركيا، لكنهم لا يزالون يحاولون تحديد آثار ذلك على عمليات الولايات المتحدة”.
وقالت الكاتبة إن “استعادة حكومة أردوغان للسلطة ربما تكون شائكة ومخيفة أكثر من أي وقت مضى”.
ولفتت إلى أن البيت الأبيض انتظر ساعات قبل أن يصدر بيانا قويا يعارض العملية الانقلابية في تركيا.
لن تعود تركيا كما كانت بعد هذا الانقلاب :
يبدو ان الانقلاب العسكري الذي قامت به وحدات من الجيش التركي مساء الجمعة 15 تموز / يوليو، على حكومة الرئيس رجب طيب اردوغان فشل، الا ان تداعياته ستستمر طويلا وترتد سلبا على مجمل الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والامنية في هذا البلد، الذي يعيش اساسا اوضاعا استثنائية على خلفية تورطه في الحرب في سوريا.
ان انقلاب الجيش على اردوغان، لم يأت من فراغ، فهناك حالة من اليأس والاحباط تعيشها قطاعات واسعة من الشعب والجيش في تركيا، ازاء الحالة المزرية التي وصلت اليها تركيا، بعد تبني اردوغان الجماعات التكفيرية كوسيلة لتحقيق اهدافه السياسية على الصعيدين الداخلي والاقليمي، وهو ما ارتد سلبا على امن واستقرار تركيا.
منذ خمس سنوات انقلب اردوغان على مباديء حزبه القائمة على صفر مشاكل مع الجيران، بعد تدخله المباشر في الحرب في سوريا، وفتح حدود بلاده لعشرات الالاف من الارهابيين والتكفيريين، للعبور منها الى سوريا بعد تدريبهم وتسليحهم، وتوريطه تركيا في صراعات لا تنتهي مع الاصدقاء والاعداء، ودخوله في صراع مباشر مع روسيا بعد اسقاطه طائرة السوخوي، واستخدام ورقة اللاجئين السوريين بشكل غير انساني للضغط على اوروبا، وتدخله في الشان العراقي وبشكل سافر، والاساءة الى العلاقات التقليدية بين تركيا والمانيا على خلفية القرار الاوروبي حول مذبحة الارمن، ورفض التجاوب مع الارادة الدولية لمحاربة “داعش” والجماعات التكفيرية.
اما على الصعيد الداخلي، انقلب على عملية السلام مع الاكراد، واستأنف الحرب الدامية معهم، وحاول تغيير النظام السياسي التركي من برلماني الى رئاسي وتغيير الدستور من اجل منح الرئيس صلاحيات مطلقة، وممارسة سياسة تكميم الافواه ضد الاعلاميين والصحفيين، واصطدم اكثر من مرة مع القضاء، والقى بمعارضيه الى السجون بذرائع واهية، واغلق العديد من الصحف والمجالات بذات الذرئع.
سياسة اردوغان الخارجية والداخلية هذه ارتدت سلبا على الاقتصاد والامن في هذا البلد، وكان لابد من تدخل الجيش لوضع حد لهذا التسيب السياسي والامني والاقتصادي، وهي حالة كان اردوغان قد استشعرها قبل ذلك، عندما اعتذر لروسيا، وتراجع عن موقفه من اسقاط الرئيس السوري بشار الاسد، ولكن الانقلاب، وان فشل، الا انه سيدفع اردوغان للتعجيل بحركته “التصحيحة” والانقلاب على سياسته السابقة التي لم تجن منها تركيا الا الويلات والخسائر.
ان الانقلاب الذي شهدته تركيا، وان كان الى الان يلف الضباب نتائجه، الا انه سيكون بمثابة نقطة عطف بين سياستين، فتركيا، لن تكون كما كانت قبله، وسوف نشهد تغييرات دراماتيكية في سياسة اردوغان، بعد ان نزل الانقلاب على رأسه كالصاعقه، التي ستعيد من المؤكد اليه بعض التوازن الذي فقده بسبب غطرسته وعنجهيته. منقول