نبيل بومنصف – النهار اللبنانية
لا تستقيم المقارنة التاريخية بين التورط السوري في الحرب اللبنانية والتورطات اللبنانية في القتال السوري من النواحي “الاجرائية” والظروف الاقليمية والدولية، ولكنها حتما مقارنة جائزة من حيث النتائج المفضية الى الانتحار لسائر المتورطين.
التورط السوري بدأ مع فجر الحرب في لبنان، من خلال تهجير الدامور وواقعات اخرى في عام 1975 بلباس فلسطيني وحشوة عسكرية سورية صرفة. لم يكن هناك سوريون مهددون في لبنان، بل كان هناك اهداف استراتيجية للرئيس حافظ الاسد استلزم تحقيقها اكثر من ثلاثة عقود وانتهت بانسحاب يصادف هذا الوقت تحديدا الذكرى الثامنة له كان عنوان انهيار الوصاية السورية على لبنان واخفاقها في التحكم المؤبد بمصيره على ما كان يهدف اليه النظام تحت حكم الوالد ومن بعده الابن.
ولعلها المفارقة الاشد قتامة في سخرية التاريخ ان ينقلب ظهر المجن ونشهد الان طلائع “تورطات” جماعات لبنانية في سوريا يقال في مغالطة كبرى انها تنقل حروب لبنان الى ارض الآخرين فيما هي واقعا امتداد تاريخي لارتباطات هذه الجماعات بالصراعات الاقليمية على ارض لبنان التي لا تنفك ترهن مصيره.
ولكن أسوأ وجوه التورطات اللبنانية يتجاوز طابع ارتباط جماعات شيعية وسنية بمحاور اقليمية ليطلق صورة معممة على اللبنانيين المتورطين في القتال السوري بانهم فرق ميليشيوية اضافية تتوزع بين ميليشيات النظام والمعارضة على خلفية مذهبية. وحتى لو سلمنا جدلا، بسذاجة الخائفين من الفتنة، بان هذه التورطات لن تنقل النار الى الداخل اللبناني الآن بفعل استمرار المد والجزر في ميزان القوى العسكري السوري، فمن تراه يضمن صد انعكاسات هذا “الجهاد” المزدوج عند اختلال الميزان نحو حسم ما على يد النظام او معارضيه؟
وما دامت مسألة التورط انفجرت متزامنة مع الذكرى الثامنة للانسحاب السوري من لبنان، ترانا امام مفارقة مفجعة اخرى يتولاها لبنانيون في ارض “الجهاد” السورية فيما تتحول المناطق اللبنانية قاطبة ارض “هجرة” وتوطين للنازحين السوريين الذين قد يتجاوز عددهم في وقت غير بعيد مجموع الشعب اللبناني. يأتي السوريون الى لبنان كملاذ “آمن” افتراضي، فيما يندفع لبنانيون الى سوريا للانتحار الطوعي المجاني. والحدود المفتوحة تتسع لهذا المشهد المخيف والمثقل بمفارقاته المتناقضة لكأنها حدود لم ترسم قصدا وعمدا لابقائها عامل ربط قسري “مؤبد” بين مسارات التأزيم والحروب والتورطات والصراعات والارتباطات الخارجية وآخر ابتكاراتها المتصلة باشعال الفتن المذهبية.
حدود مفتوحة للجميع، وخصوصاً للراغبين في الانتحار هو ما تقوله “حرب الفتاوى” بالجهاد في سوريا، لا اكثر ولا اقل، ولن تكون نتائجها اللبنانية حتما اقل من مرارة تاريخية مماثلة لحصيلة عقود من وصاية النظام السوري على لبنان.