عام 2009 .. في حرب الفرقان .. كُنت لا زلت ادرس في تل ابيب .. وكانت المظاهرات مُتنفسي الوحيد .. كي لا انفجر .. شاركت في اكثر من مظاهرة وندوة ضد الحرب .. في إحدى هذه الندوات كان الشيخ رائد صلاح .. وقال لنا يومها كلاماً ظننته يُبالغ فيه .. قال يومها بالحرف الواحد : ” .. إن المشروع الصهيوني العالمي شر على كل الأرض، حتى الطير في وكره والحوت في عمق المحيط .. ” في تلك الأيام كُنت ادرس الماكينات والسيّارات .. لم أكن أفهم الكثير في البيئة .. ولا حتى في أحوال غزّة .. وبالتأكيد .. لم أفهم كيف يُمكن ان تشكل إسرائيل خطراً على الحيتان في المحيط !!
هذه الحرب .. اجلس بعيداً عن فلسطين .. ادرس الهندسة البيئية في المانيا .. ولأنني ” قرفان ” من المجتمع الدولي، لم اشارك في أي مظاهرة ولم انشط كمّدوّن .. ولكنني رُحت اتدّبر (الحياة) في غزّة .. الحياة في أكبر سجن في العالم .. المياه في غزّة وحدها .. تُلخص حجم الكارثة .. وقد وقع بين يدي تقرير لمؤسسة EWASH .. فوجدت العجب العُجاب .. معه ” تُدرك ” أن الحرب على حياة أهل غزة .. لا على حماس ولا المقاومة ولا الأنفاق .. ولا ” بطيخ ” .. فقد انقطعت خدمات المياه والمجاري عن ثلثي اهل غزّة ” 1.2 مليون غزاوي ” .. وهذا وحده وقبل ان نبدأ بالكلام .. يُعتبر جريمة حرب بحسب القانون الدولي ..!!
الأخطر .. أن انقطاع هكذا خدمات لا يعني أن الناس لا يُمكنها ان تشرب او تستحم .. هذا يُمكن احتماله ولكن الأخطر مثلاً .. انك لو ذهبت للمرحاض .. قد تعود مياه الصرف الصحي إليك فليس هناك مجاري لتذهب إليها .. وقد جاء في التقرير ان بعض المناطق حصل فيها فيضانات صرف صحي.. كارثة .. ليس لأن هذا مُقرف .. فهكذا فيضانات ستؤدي إلى تدمير ما تبقى من مياه صالحة للشرب .. إن بقيت .. فقد جاء في تقرير الأمم المتحدة أن مخزون المياه الجوفية في غزّة لن يكون صالحاً للشرب بعد 2016 .. بسبب الملوحة والتلوث .. فغزّة “مشهورة” في العالم بنسبه النترات العالية جداً جداً في مياهها .. تخيّلوا ان النسبة القصوى المسموحة عالمياً هي 50 ملغم لليتر ، في غزّة تصل نسبة النترات إلى 300 في بعض المناطق .. بعد فيضانات الصرف الصحي .. رُبما تصل “مليون” وللعلم .. النترنات أخطر ما يكون على الأطفال .. وقد يُؤدي إلى “السرطان” .. بكلمات أخرى فإن الماء .. اصل الحياة .. تدّمر !!
الكارثة لا تنتهي هُنا فبسبب الحصار الصهيوني على قطاع غزّة مُنذ عام 2007 تعطلّت الكثير من محطات معالجة مياه الصرف الصحي بسبب نقص الطاقة او المواد اللازمة للصيانة ، بالتالي كل هذه “الأوساخ” حتى لو لم تنفجر مجاريها بعد سقوط الف الف صاروخ وقذيفة على غزّة فليس لها مصب إلا البحر .. بحر غزّة .. تخيّلوا فقط .. ان 90 مليون ليتر من مياه الصرف الصحي تصب في بحر غزّة .. ولهذا ليس غريباً ان نقرأ في مجلّة فلسطينية أن “شواطئ قطاع غزة ملوثة وقريبا ستغلق” ، فـ 90% منها أصبح ملوثاً .. والسباحة لمدة 10 دقائق فيها قد تُحملك طفيلياً خطيراً كـالـ “أنتي ميبا هستولوتيكا” .. هذا بعد عشر دقائق ،، فكيف بالأسماك في قعر البحر ؟؟ لا شك أنها ادركت حجم خطر المشروع الصهيوني -كما قال الشيخ رائد صلاح- .. وغادر كثير منها شواطئ غزّة .. ولكن أهل غزّة .. لم يُغادروا .. وإن كانوا اختاروا المقاومة .. فإنما يُقاومون من أجل الحياة .. فهم يعلمون جيداً .. أنه لا موت في سبيل الله .. بلا حياة في سبيل الله !
يكتبها للتفكر،
عُمر عاصي
من مدينة آخن الألمانية !