بعد خمس سنوات على الحرب التى تدور رحاها فى سوريا ,
أن ألأوان للنظر فى الخريطة بعين مجردة من البلاغة , خمس سنوات محمله بالتدمير والقتل والتهجير فى كل بقعة من بقاع سوريا .
كل هذا الخراب الذى أصاب سوريا (البشر,والحجر) خراب فاق التمدن السورى ,
فأصبح خراب (للهوية السورية) التى حافظت على نفسها لمئات السنين بعد جلاء المستمر .
أنه خراب أبعد من ذلك بكثير : خراب تخطى كل الحدود الضيقة ناخراً فى هويتنا العربية
فى الدائرة ألاوسع .
الاستبداد وحده لا يكفي لتفسير ما جرى ويجري على الساحة العربية .
الاستبداد يشكّل فقط واجهة واحدة من واجهات الحضارة العربية منذ القدم. وإن لم نبحث عن جذور هذا الاستبداد فلن نصل إلى سواء السبيل. فعندما يهدم البلاد على رؤوس العباد، فإنّه بهذه الجرائم يكشف عن حقيقته وعن جوهره المتخفّي خلف أقنعة قاتمة .
إنّه يشطب ليس بجرّة قلم ، بل ببرميل متفجّر، عقوداً من الدجل الذي أدمن عليه شعاراً زائف عن (الأمّة الواحدة والرسالة الخالدة).
وعندما يدفع (حزب الله) بجنوده إلى ساحات الاقتتال في سورية ، أو يتحدّث عن تقديم العون في أماكن بعيدة في جنوب الجزيرة العربية كاليمن مثلاً ، فإنّ ذلك يعني ، بين ما يعنيه ،
إلغاءً لكلّ الحدود المصطنعة لهذه الدول المصطنعة ،
كما يعني أيضاً أنّ هذه الدول ليست صاحبة شأن , وأنّ الولاءات الأهمّ متشكّل ونابع من ينابيع لا علاقة لها لا بالنّسب إلى (العرب) ولا إلى (العروبة)، بل هي مرتبطة بـ (العصب) الدّيني الطائفي، ليس إلاّ.
ومن الجهة الأخرى عندما تتهاوى حدود هذه الدول المصطنعة ويتقاطر الدواعش وأشباههم من كلّ حدب وصوب محمّلين بأيديولوجيّات مُغرقة في تخلفها للفتك بمن يعتبرونهم (كفاراً) وارتكاب تطهيرات عرقية، فمعنى ذلك أيضاً أنّ الاستبداد ليس هو المشكلة، بل ثمّة ما هو أبعد من ذلك بكثير.
من هنا، لا يمكننا أن نفاضل بين استبداد وآخر .
فالاستبداد هو الشرّ بعينه ، جاء من جهة اليمين أو من جهة اليسار سيبقى أستبداداً .
الاستبداد هو الشرّ بعينه أصدر عن نظام أم صدر عن معارضة أم من جماعة .
وهكذا وصلت الحالة السورية ، مثلما هي العراقية وغيرها ، إلى ما هي عليه الآن .
حصاد الحساب الحالي يفيد بأنّ هنالك نصف مليون من القتلى ،
وربمّا مليون أو أكثر من الجرحى ، وأكثر من عشرة ملايين لاجئ ومهجّر من مسقط رأسه، ناهيك عن الخراب الذي أصاب المدن على طول البلد وعرضه .
فهل يمكن أن يعود الحال إلى ما كان عليه ؟
التاريخ، قديمه وحديثه، سواء عربياً أو أعجمياً، يعلمنا أن الحروب الطاحنة ترسم حدوداً جديدة، كما تتشكل نتيجتها كيانات جديدة تنبني على هويات هي في نهاية المطاف عصبيات إثنية وطائفيّة قابعة في الطبع البشري ، وهي أكثر تجذراً فيه من التطبع بشعار سياسي لا يمت للحقيقة بشيء .
الوضع في الحال العربية أشد خطورة لأن محاولات (التطبع) هذه كانت مجرد شعار (وطني) ظاهرياً، إلاّ إنه كان يُخفي حقيقة وهي الاستحواذ القبلي والطائفي على مقدرات البلاد والعباد.
التاريخ علمنا أيضاً أن ملايين البشر الذين يتم تهجيرهم عنوة خلال الحروب ، (الأهلية) وغير الأهلية ، لا يعودون إلى الأماكن التي هجّروا منها .
هذا ما حدث مع ملايين المهجرين خلال الحربين العالميتين، ومع ملايين المهجرين خلال الحروب الأهلية في البلقان ويوغوسلافيا .
وهذا أيضاً ما هو حاصل حتى اللحظة مع هذا الشرق المأزوم بمنارته المهزوم بحضارته.
ولأن الجرح في هذا المعمار البلدي ، الجسدي والعاطفي، قد بلغت هذا القدر من الهول فهي لا يمكن أن تشفى بسرعة ، بل ستحتاج إلى عقود طويلة ، وقد تطول لتبلغ قروناً .
فما كان كان، قد ولى وانقضى ولن يعود إلى سابق عهده .
ولهذا يمكننا القول إن سورية التي عرفناها انقرضت وأصبحت رميماً.
ولا يسعنا سوى أن ندعو لأهلها ، على اختلاف مللهم ونحلهم،
والمشتّتين في جهات الأرض الصبر والسلوان .
كل من يعتقد أنّه يمكن للعجلة السورية أن تدور للوراء وكأن شيئاً لم يكن في كل هذه الأعوام
هو مُخطئ في تقديراته ، وأنكى من ذلك وأخطر أنّه يبيع الناس الهائمين على وجوههم
بعيداً من الأوطان أوهاماً بلاغية فقدت صلاحيتها ، مُبقياً ايّاهم في مخيمات اللجوء
على مر الأزمان .
كل من يبحث عن حل عليه أن يبدأ الانطلاق من هذه النقطة ،
عليه أن يتخلّى عن أوهام الماضي الذي لن يعود ،
فهذه هي عجلة التاريخ وهكذا سارت عجلاته ودارت على مر التاريخ .
ومن يعِيش سيشاهد .
مرحبا اسماعيل 🙂
وصفك للوضع السوري موضوعي جداً وخاصة فيما يتعلق بأسباب الأزمة الحقيقة والتي هي أبعد بكثير من أن تكون فقط نتيجة استبداد حاكم بعينه. للأزمة السورية أبعاد سياسية، عرقية، طائفية، واقتصادية.
لكن فكرة أن سوريا لن تتعافى فكرة ضعيفة، وضعفها آتٍ من كونها فكرة مُسبقة الصنع.
دائماً للبراين وجه حَسَن! بعد البركان التربة تصبح خصبة، وتتشكل المعادن الثمينة، والأهم أن البركان يقضي على كل ما كان يُسمّم الأرض.
السياسة دائماً أكبر من كل التوقعات .. لنصلي من أجل سوريا للســــــــــــــــــــــوريين 🙂
للمره المليون
لو كان رحيل بشار الاسد سينهى الأزمه السوريه ,
فلماذا أذن لم تنتهى أزمة العراق وليبيا باعدام صدام حسين وقتل القذافي.
Good point Eid 🙂