راجح الخوري – النهار اللبنانية
تسعى الوحدات الفرنسية في مالي الى دفع تحالف المتشددين من “انصار الدين” وجماعة “التوحيد والجهاد” و”القاعدة في بلاد المغرب الاسلامي” من باماكو في اتجاه الشمال، قبل ان يتسرّب المقاتلون المتشددون من موريتانيا ونيجيريا والجزائر والنيجر والمغرب وتونس وليبيا، لنصرة الاسلاميين الذين كانوا على وشك السيطرة على مالي التي تشكل منصة مثالية للانقضاض على دول ساحل افريقيا الغربية الغنية بالنفط والاورانيوم والالماس، حيث تتنافس شركات ومصالح فرنسية واوروبية واميركية وصينية.
لكن سرعان ما بدأت ترتسم مؤشرات صراع قد يطول ويترك فرنسا وحيدة في وحول صحراوية افريقية، وهو ما ايقظ كوابيس فرنسية عن حرب الهند الصينية (1946 – 1954 ) التي انتهت بمعركة “ديان بيان فو” العالقة في الذاكرة الفرنسية، ذلك ان التأييد الاوروبي والاميركي الذي تلقاه فرنسا في مالي يقتصر حتى الآن على المعلومات الاستخبارية وبعض الدعم اللوجستي، وليس في وسع مجموعة دول افريقيا الغربية “ايكواس” تعبئة قوات كافية مؤهلة وقادرة على مساعدة الفرنسيين ميدانياً لدفع تحالف الاسلاميين شمالاً واعادة الهدوء الى مالي.
عندما يدافع فرنسوا هولاند عن قرار التدخل في مالي ويقول انه ضروري ومشروع وان ليس لفرنسا اية مصالح بل هي بكل بساطة تخدم السلام، قد يبدو للكثيرين وكأنه يغالي، لكن نظرة دقيقة على خريطة دول جنوب غرب افريقيا يرافقها تمعن عميق في التحولات السياسية العاصفةـ التي حملها ما يسمى “الربيع العربي” الى دول شمال افريقيا، اي الى ليبيا التي تسرب منها الجزء الاساسي من سلاح “انصار الدين”، والى تونس التي يمسك الاسلاميون بعنقها، والى مصر مرسي و”الاخوان المسلمين” مروراً بالسودان وبموروثات التطرف الاسلامي في الجزائر، ان نظرة من هذا النوع يمكن ان تقدم مثلاً ترجمة عملية لكلام انغيلا ميركل التي قالت ان المانيا تعتبر الوضع في مالي والمنطقة جزءاً من وضعها الامني “لأن الارهاب في مالي لا يشكل تهديداً للقارة الافريقية وحدها بل للقارة الاوروبية كلها”!
في موازاة هذا الكلام لا يبدو الانخراط الاوروبي في دعم العمليات الفرنسية في المستوى المطلوب، اذ لا يكفي ان تضع المانيا طائرتي نقل في تصرف دول “ايكواس” العاجزة عن تأمين مشاركة فعالة في المعركة، وليس كافياً حديث ايطاليا وبريطانيا عن تقديم الدعم اللوجستي… وعندما يقول هولاند “ان فرنسا ليست وحدها بل تدعمها افريقيا بكل تنوعها ويتضامن معها المجتمع الدولي” فانه يبدو عملياً كمن يطلب الدعم والمشاركة!
لكن ما يجوز على الابناء والآباء يجوز على الدول، ذلك ان اميركا التي تؤكد انها لن تشارك في المعارك بأي جندي، ستترك الفرنسيين يضرسون لتأكل هي الحصرم في مالي، لا بل في كل افريقيا التي يجتهد الصينيون للتمركز حول خيراتها.